رضوان السيّد

بدأ معلقون سياسيون عرب وأجانب بتخفيض التوقعات بشأن إمكانيات القمة العربية ونتائجها. والواقع أن العرب عرفوا منذ العام 1964 تاريخ انعقاد القمة الأولى، ثلاثة أنواع من القمم: قمة الإعلان عن زعامة وتوجه، وقمة الإعلان عن وجود مشكلات يتعذر حلها، وقمة الإعلان عن قرار بتسوية مشكلة ما. ولا شك أن القمة الحالية هي من النوع الثالث. فالسعودية لا تحتاج الى إثبات لزعامتها، والأمورمحسومة لهذه الناحية ولنواح أخرى كثيرة. أما النوع الثاني من القمم والذي يتعلق بالإعلان عن الأزمات، دونما قدرة على حلها لعوامل دولية أو إقليمية، وهو النوع الغالب على القمم، فليس مرجعاً هذه المرة. ذلك أنه كان هو القاعدة في السنوات الماضية، عند ما كانت الولايات المتحدة تحاصر العرب جميعاً، وتمنعهم من الحراك بأي اتجاه، بحجة حشدهم فقط من أجل مكافحة الإرهاب، والتغيير الديموقراطي. وقد سبقت حصارالولايات المتحدة حالة أخرى ونوع يشبه النوع الثاني من القمم، أما الحالة فهي حالة الانقسام العربي في أعقاب غزو الرئيس العراقي صدام حسين للكويت، وإخراجه منه بالقوة. وكما نذكر: فقد توقفت بعد ذلك لسنوات اجتماعات الجامعة العربية، ثم بدأت قمم خجولة بالانعقاد، كان أهم ما فيها تجنب الخلاف مع العراق وحول العراق، والإعتراض عن كل ما يؤدي للمزيد من الانقسام.
وهكذا لا يبقى الا النوع الثالث من أنواع القمم العربية: نوع الحلول او اتخاذ القرارات في شؤون ما عاد تأجيلها ممكناً، ولاعاد الخلاف من حولها مسوغاً. وهناك بالفعل ثلاث مشكلات عربية من هذا النوع، أفظعها على وجه التحديد المشكلة العراقية، فالمشكلة أو القضية الفلسطينية، وأخيراً الأزمة اللبنانية. والأزمة اللبنانية هي الأقل صعوبة بين المسائل الثلاث، لكنها الأكثر إضناء، لأنها بنيوية، وتقوم دائماً على انقسام داخلي تتدخل فيه أطراف اقليمية ودولية. ولذلك يتطلب الأمر في كل أزمات لبنان، إجراء تسويتين وليس تسوية واحدة: تسوية بين الأطراف الإقليمية والدولية بشأن لبنان، وتسوية أخرى بين اللبنانيين أنفسهم والذي أراه أن هذا هو سبب الإلحاح السعودي على التسوية اللبنانية الداخلية قبل القمة. إذ في القمة يمكن الوصول الى تسوية الإطارين الإقليمي والدولي. فاللافت في هذا الصدد أن الأوروبيين والروس.. بالإضافة الى الإيرانيين، طوروا من خطواتهم باتجاه سوريا من أجل لبنان في الآونة الأخيرة. وهذه الضغوط المتنامية المقصود منها إعطاء سوريا في مجالات أخرى، في مقابل التسهيل للمحكمة والتسهيل للوفاق اللبناني الداخلي، والكف عن زعزعة الاستقرار. ولا شك أن لكل تسوية آلامها وضحاياها، أما ما لا تضحية ولا ضحايا فيه فهو الحل المؤقت، أو المهادنة، وليس التسوية، وقد يكون هذا الأمر هو الذي نتوجه اليه هذه الأيام بدون ضحايا ولا تضحيات، فتبقى المشكلات معلقة لتنفجر بعد شهرين أو ثلاثة من جديد بشأن رئاسة الجمهورية. ونكون بذلك قد ضيعنا مرة أخرى فرصة مهمة للراحة لخمس أو ست سنوات، كما حصل في لبنان بعد الطائف، إذ امتدت راحتنا النسبية لعقد ونصف العقد.
ويتراوح الأمر في فلسطين بين القضية (الصراع مع الأجنبي والمستعمر)، والمشكلة (الانقسام الداخلي)، وهذه هي المرة الأولى التي يكون فيها الأمر في فلسطين على هذا النحو. وللأسف، هذا ما جلبته quot;الزعامةquot; السورية في المرحلة الماضية، بمعنى أنه في القضايا الصعبة الحل، فإن السوريين يعمدون الى إجراء صفقة مع الإقليمي والدولي من أجل quot;إدارة الأزمةquot;، لأنه يتعذر عليهم حسمها لصالحهم أو لصالح الأمة العربية: من فلسطين والى لبنان فالعراق. وهكذا فإن الانقسام بين حماس وفتح يجعل من فلسطين للمرة الأولى في التاريخ العربي الحديث قضية ومشكلة في الوقت نفسه. ولذلك فإن هذه القمة مفيدة جداً لفلسطين، لأنها تغلب عامل القضية على عامل المشكلة، بإطلاق المبادرة العربية للسلام بقوة وشمول بحيث يستفيد منها الفلسطينيون والسوريون. لكن مرة أخرى: هل تكون سوريا جاهزة للتسوية، أم ما تزال لديها مطامح الدور السابق لإدارة الأزمات أو إجراء المساومات والمقاولات، ومع العرب والإقليميين والدوليين، وليس مع إسرائيل، مثلاً لأن quot;التوازن الاستراتيجيquot; لم يتحقق، كما قال الرئيس حافظ الأسد مرة!
المشكلتان اللبنانية والفلسطينية معقدتان ومزدوجتان إذن، لكنهما قابلتان للمعالجة أو للحل، وفي القمة ومحيطها، وهناك رغبات عربية وإقليمية ودولية في ذلك. أما في العراق فالأمر أعقد من ذلك بكثير فعلاً، وهناك عوامل عدة غير ناضجة حتى الآن، وفي مقدمتها الأهداف الأميركية، والموقف الحقيقي لإيران. ولذلك فإن مهمة مؤتمر القمة العربي هذا بالنسبة للعراق هو تحديد ما يريده العرب له ومنه وليس أكثر.
المملكة العربية السعودية تتصدى للقيادة، وتملك رؤى بشأن السياسات والمعالجات.. والحلول. والأجواء الإقليمية ناضجة في بعض الجوانب والمشكلات، وغير ناضجة في جوانب ومشكلات أخرى. ولهذه الأسباب كلها فالقمة العربية بالرياض شديدة الأهمية.