عبد الرحمن الراشد

من المفارقات العجيبة في الشأن العراقي أن الفارين من ويلات العراق، سنة وشيعة ومسيحيين، يتجهون إلى الإقليم الكردستاني الذي كان أكثر المناطق تهميشا وعزلا. ومن كان يصدق أن الأكراد، طلاب الانفصال ورافضي الهوية العراقية، هم الرابط الحقيقي اليوم للهوية العراقية ووحدة البلاد؟ نحن اليوم نشهد أربيل ـ السليمانية لاعبا جديدا مهما للعراق والمنطقة.

الأكراد سيكونون حجر الزاوية في الأزمة العراقية التي هي، أيضا، شأن إقليمي ودولي. سيكون لهم دور الموازن في التركيبة الطائفية، شيعة وسنة. سيستمرون لاعبين أساسيين في الفريق الحاكم، برئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية والبرلمان. سيكونون فاعلين في التوازن بين إيران وبقية دول المنطقة السنية التي تعتقد بوجود مخطط هيمنة طهراني وتريد إيقافه.

لذا نحن نشهد تحولا مهما من أكراد رافضين إلى أكراد فاعلين، ومن أكراد منطوين يفضلون العزلة إلى الانتشار على لوح الشطرنج العراقي الكبير. ومن إقليم عانى من عرب العراق إلى حاضن للاجئين منهم، ومن سياسيين ينشدون الاستقلال إلى براغماتيين اكتشفوا أهمية العالم حولهم.. وبالتأكيد من رقم صغير إلى رقم خطير في كل العراق والمنطقة أيضا.

ومع أن هناك قضايا تقف حائلا بين الأكراد وبقية العراق، أبرزها مصير كركوك، عربية أو كردية، والانخراط الكردي البطيء في العراق ثقافيا وقانونيا، إلا أن الجميع، بطوائفهم وأعراقهم واختلاف توجهاتهم، يريدون من الأكراد أن يلعبوا دورا ايجابيا، في توحيد العراق وإنقاذه من نفسه ومن شرور جيرانه. اليوم يمنحون الأكراد دورا لم يخطر على بال احدهم من قبل. ففي السابق كان الأكراد يمثلون في الذهنية العربية العامل المقسم، وبوابة الأجنبي، متأثرة بالدعاية التي روجها نظام صدام حسين الذي كان يتهاوى داخليا بعد هزيمته في حرب تحرير الكويت. وكانت بداية نهاية صدام الحقيقية مع جرائمه التي ارتكبها أولا في حلبجة الكردية وهزت العالم.

والسؤال هل يستطيع الأكراد بالفعل القيام بالدور المأمول منهم على صعوبته؟

لقد أظهر السياسيون الأكراد مهارة غير عادية في المواقع التي احتلوها في التعامل مع الشأن العربي، ولا أبالغ إن قلت إنهم كانوا أكثر المفاجآت التي تثير البهجة. فقد بدوا في المحافل العربية عربا أكثر من العرب، وفي الخلافات العراقية عراقيين موحدين، وفتحوا أبواب إقليمهم لأساتذة الجامعات السنة والصحافيين الشيعة وجموع اللاجئين رغم خوف الأكراد من العرب القديم المتوارث من مآسي النظام السابق. وما زال بإمكان كردستان أن تكون الحاضن الأكبر للنشاط العراقي الكبير كونها المنطقة الآمنة منذ أكثر من 16 عاما وحتى اليوم. فبامكانها أن تصبح الدولة المؤقتة لكل العراق حتى ينتهي من أزمته وتعود بغداد قلبا نابضا للبلاد. وستثبت الأيام للأكراد أن بقاءهم داخل العراق يجعل من كردستان إقليما حيويا وناجحا من دون أن تسلب منه هويته أو استقلاله الذاتي. ولعل الأزمة تمنح الكرد فرصة من المكان الصغير البعيد عن البحر إلى العالم الفسيح بشكل دائم، فتختصر التاريخ وتتحدى الجغرافيا.

[email protected]