عبد الرحمن الراشد


احتفل الأوروبيون بالخمسين عاما على اتحادهم، وهي تجربة تستحق أن نحتفي بها معهم، نحن الذين نعيش على الهامش. فالاضطراب الأوروبي القديم جلب المصائب دائما على منطقتنا، والفشل في بعض أوروبا كان نموذجا رديئا مرشدا لبعض الدول العربية، إضافة إلى أن ازدهار أوروبا ينعكس إيجابا على أطراف القارة إلى العالم العربي.

لكن في نظري، يصلح النجاح الأوروبي ان يكون مرآة لفهم الفشل العربي، ونجاح الاتحاد تحديدا يتطلب منا البحث عن الخطأ في الجامعة العربية، كونها الرابطة المماثلة، ولا أقول المضادة.

وهناك روابط بين الجانبين، بعضها معطل وبعضها قديم ومنسي. فالجامعة العربية نفسها كانت في أصلها اقتراحا بريطانيا لمواجهة ألمانيا ومحورها. والأكثر من ذلك غرابة، ان العرب تاريخيا أسسوا جامعتهم قبل أن يبدأ الأوروبيون اتحادهم. سبع دول عربية أعلنت عن الجامعة، وست دول أوروبية أقامت الاتحاد، السوق كما سمي في بدايته، ثم توقف الزمن عند العرب المتشابهين في لغتهم وديانتهم وجغرافيتهم وتاريخهم، في وقت نجحت السلاحف الأوروبية في الوصول إلى رابطة قوية، رغم أن ما يفرق بين الأوروبيين أكثر مما يجمع بينهم. 27 بلدا يجلس سفراؤها، وعلى آذانهم سماعات الترجمة للإنصات إلى 23 لغة، ومع هذا يستطيعون التفاهم والاتفاق، في حين أن 22 بلدا تتحدث لغة واحدة، هي العربية، ويندر أن يقروا اتفاقا واحدا مفيدا. العرب 300 مليون إنسان ينامون على أرض غنية مساحتها 13 مليون كيلومترا مربعا، في حين أن الأوروبيين هم 400 مليون إنسان يتزاحمون في نحو أربعة ملايين كيلومتر مربع فقط.

وفي ذكرى ميلاد الرابطة الأوروبية استمعت إلى احد المعلقين العرب، الذي تحدث بحسرة عما أصاب أوروبا من تأثيرات سلبية غربية على بعضها الآخر. حسرة حاولت أن افقه معانيها، خاصة أننا في منطقة أكثر قدرة على فهم قيمة النجاح والتعاون، بسبب إخفاقنا المستمر خمسين عاما رغم حاجتنا الماسة للنجاح والتعاون.

ولا نستطيع أن نقلل من قيمة التوحد الأوروبي مهما جعلنا مقاييس النجاح آيديولوجية، فأوروبا خسرت خمسين مليون إنسانا في آخر حرب بينها، ومنذ ذلك اليوم وهي أكثر استعدادا للتفاهم والتواصل مع بعضها، وهو ما نراها تبنيه حجرا على حجر، يوما بعد يوم. ولو نظرنا إلى الجامعة العربية لوجدنا هيكلها لا يقل عن الاتحاد الأوروبي، لكنه هيكل بأدراج فارغة. وكان بودنا أن يمارس الأوروبيون ضغوطهم على جامعتنا حتى تفكر في تطبيب نفسها، وتبدأ مشروع الإصلاح الموعود منذ قمة تونس المعطلة.

أما بالنسبة للاتحاد الأوروبي فقد قدم دروسا في كيفية التعامل مع المعضلات الداخلية، بالتوافق على ما قبل به الجميع، أو الاكتفاء بأغلبية وافقت على اتفاقيات أعفيت من تطبيقها دول حتى تصبح قادرة. وبالتالي لم يتوقف القطار باسم الإجماع كما يحاول الأعضاء العرب في جامعتهم، وبسبب ذلك لم تقم لسوقهم الاقتصادية قائمة، رغم أنها أهون المشاريع الوحدوية.

[email protected]