د. جلال أمين


لدي أسباب كثيرة للاعتقاد بأن العشرين سنة الأخيرة (٨٦-٢٠٠٦) ربما كانت أسوأ فترة في حياة فقراء المصريين، ليس فقط خلال الخمسين عامًا الماضية، بل ربما خلال القرن العشرين كله.

نعم، كان هناك بعض الارتفاع في متوسط الدخل، بل كان معدل التضخم خلالها أقل بكثير مما كان خلال السنوات العشر السابقة عليها (٧٦- ٨٦) وأرقام توزيع الدخل، وإن كانت تدل علي تدهوره خلال هذه العشرين عامًا، فإنها لا تدل علي تدهور صارخ أو غير معهود، ولكن هناك أشياء كثيرة ومهمة، سبق أن ذكرتها، لا تقاس بسهولة بالأرقام،

بل ربما لا يمكن قياسها علي الإطلاق، تجعل وطأة الشعور بالفقر أثقل بكثير، وهذا هو ما حدث بالفعل خلال هذه العشرين عامًا: ما كان كماليا أصبح يعتبر حاجة ضرورية، وإشباع هذه الحاجات laquo;الضروريةraquo; أصبح أبعد منالا، والإلحاح علي ضرورة إشباعها أصبح أثقل علي النفس، والقلق مما يمكن أن يأتي به المستقبل أصبح أشد، والشعور بالاغتراب أكثر حدة. فما السبب في كل هذا؟

لقد بدأت هذه العشرون عامًا (في ١٩٨٦) بأمرين سيئين للغاية: انخفاض كبير ومفاجئ في أسعار البترول، وتدخل صندوق النقد الدولي بفرض توجيهاته للحكومة المصرية بسحب يدها تدريجيا من التدخل لصالح الفقراء. كان الانخفاض في أسعار البترول شيئًا خارجًا بالطبع عن إرادة الدولة المصرية، ولكن تدخل صندوق النقد كان نتيجة لمزيج من إرادة خارجية وحماقة داخلية، فالصندوق كان يمثل بلا شك إرادة قوي خارجية ترغب في مزيد من فتح الأبواب أمام السلع ورؤوس الأموال الأجنبية، والمزيد من المزايا لها، ولكن الصندوق انتهز فرصة كانت فيها الحكومة المصرية في غاية الضعف عندما ثبت عجزها عن الوفاء بأقساط وفوائد ديون خارجية كبيرة كانت قد تورطت فيها خلال السنوات العشر السابقة بسبب حماقات السياسة الاقتصادية.

ترتب علي كلا الأمرين، انخفاض سعر البترول وتدخل الصندوق. آثار سلبية كثيرة عاني منها فقراء المصريين أكثر مما عاني أغنياؤهم. فمن ناحية أدي انخفاض سعر البترول إلي عودة كثير من فقراء المصريين الذين كانوا قد هاجروا إلي دول البترول في أيام انتعاش هذه الدول laquo;أضيف إليهم عشرات الآلاف من المصريين الذين عادوا بسبب هجوم صدام حسين علي الكويتraquo;، واضطر الفقراء الذين لم يغادروا مصر قط،

وكانوا يأملون في الذهاب إلي الخليج، إلي تأجيل رحيلهم إلي أجل غير مسمي laquo;لم يحلّ حتي الآنraquo;، فانضموا إلي صفوف الباحثين عن عمل في مصر، ولكن انخفاض سعر البترول أدي أيضًا إلي إفقار الحكومة المصرية لانخفاض عائداتها منه، فانضم هذا إلي ضغوط صندوق النقد الدولي لإحداث تدهور خطير في مستوي الخدمات التي كانت تقدمها الحكومة للفقراء أو تقوم بتقديم الدعم لها، من تعليم وصحة وإسكان ومواصلات.

وجد فقراء المصريين أنفسهم مضطرين إلي حمل هذه الأعباء بأنفسهم بعد أن تخلت عنهم الحكومة، في وقت كانت الدخول تزيد فيه ببطء شديد، وتزداد صعوبة العثور علي فرصة عمل يوماً بعد يوم. من ناحية أخري أدي انحسار تيار الهجرة، بل عودة الكثير من المهاجرين مع تقاعس الحكومة عن تنفيذ التزامها القديم بتعيين الخريجين الباحثين عن عمل إلي ارتفاع معدلات البطالة ارتفاعًا غير معهود في مصر.

لقد ظلت البطالة السائدة في مصر، قرونًا طويلة، تكاد تنحصر فيما يسميه الاقتصاديون laquo;البطالة المقنعةraquo;، أي أن يعمل المرء بأقل كثيرًا من طاقته، ومن ثم يحصل علي دخل أقل كثيرًا من حاجته، كان من الأمثلة الصارخة للبطالة المقنعة قبل ثورة ١٩٥٢، اشتغال أسرة فقيرة في الريف، تتكون مثلاً من ثمانية أشخاص، بزراعة قطعة صغيرة جدًا من الأرض لا تحتاج زراعتها إلا لشخصين أو ثلاثة، أو حالة بائع ليمون أو بصل يدور في الشوارع مناديا الناس لشراء بعض ما يحمله مما لا يكاد يكفي، ولو باعه كله لسد رمقه.

إنه يبدو كأنه يعمل، ولكنه في الحقيقة يقوم بعمل ضئيل الإنتاجية، وأقل إنتاجية بكثير من قدرته الحقيقية.

أما البطالة المكشوفة أو السافرة، فهي حالة الشخص الذي لا عمل له علي الإطلاق رغم رغبته فيه وقدرته عليه، هذه البطالة المكشوفة هي التي كانت نادرة جدًا قبل الثورة laquo;إذ يرتبط وجودها عادة بإغلاق مصنع وتسريح عماله، أو تعليم الطلاب في المعاهد والجامعات ثم بحثهم عن عمل بعد تخرجهم فلا يجدونهraquo;.

لم تكن البطالة المكشوفة شائعة قبل الثورة إذ لم تكن هناك مصانع كثيرة، لا مفتوحة ولا مغلقة، ولا كان التوسع في التعليم قد وصل إلي حد تخريج عدد أكبر من الوظائف المتاحة.

في السنوات العشر الأولي من الخمسين عامًا الماضية laquo;٥٦- ١٩٦٦raquo; انخفضت البطالة، المقنعة والمكشوفة، بسبب جهود الثورة في التنمية وبسبب الإصلاح الزراعي الذي استوعب أيدي عاملة في الزراعة أكثر من ذي قبل، وإذا كانت البطالة المكشوفة والمقنعة قد بدأت في الزيادة في السنوات العشر التالية laquo;٦٦- ١٩٧٦raquo; بسبب ما ترتب علي حرب ١٩٦٧ من تخفيض الاستثمارات، فقد تكفلت الهجرة في السنوات العشر التالية laquo;٧٦- ١٩٨٦raquo; بتخفيض البطالة مرة أخري، مكشوفة ومقنعة.

ثم عادت البطالة بنوعيها للظهور بل وللزيادة السريعة ابتداء من ١٩٨٦: فالدولة تسحب يدها وأبواب الهجرة تضيق، وكثيرون من المهاجرين يعودون، فما الذي تنتظره؟

إني أزعم أن حالة العمالة والبطالة في مصر لم تتحسن منذ ١٩٨٦، بل ازدادت سوءًا سنة بعد أخري، وعندما أقول إن laquo;حالة العمالة والبطالةraquo; لم تتحسن منذ ١٩٨٦ فإني أقصد شيئًا لا يقاس فقط بنسبة المتبطلين إلي حجم القوة العاملة laquo;وهو ما لدينا بعض الأرقام عنهraquo; بل يجب أن نأخذ في الاعتبار أيضًا نسبة المشتغلين الذين يقومون بأعمال أو يشغلون وظائف اضطروا للقيام بها لعجزهم عن العثور علي أعمال أو وظائف تناسبهم، سواء من ناحية الأجر أو من ناحية طبيعة العمل.

إن مهندسًا يعمل في قيادة سيارة تاكسي مثلاً، أو خريج كلية الحقوق الذي يعمل في مكتب الاستقبال في أحد الفنادق، أو حاملة دبلوم تجاري تعمل كخادمة في منزل أو بائعة في سوبر ماركت، لن يظهر أي منهم في الإحصاءات كمتبطل، ولكن اضطرارهم للقيام بمثل هذه الأعمال يدل علي تدهور مؤكد في laquo;حالة العمالة والبطالةraquo;.

وقل مثل ذلك علي اضطرار كثير من الفتيات والنساء للعمل خارج المنزل فلا يظهرن بالطبع في أرقام المتبطلين في الإحصاءات، بينما قد يكون الذي دفعهن إلي ذلك استمرار تبطل الزوج لمدة طويلة أو استمرار حصوله علي دخل منخفض لا يفي بحاجات الأسرة، هذه الحالات ليست بالطبع حالات laquo;بطالة مقنعةraquo;، فساعات العمل طويلة، والإنتاجية قد لا تكون منخفضة، كانخفاضها في حالة بائع الليمون والبصل، أو حالة بعض موظفي الحكومة، ولكنها قد تكون أثقل علي النفس من كثير من حالات البطالة المكشوفة أو المقنعة علي السواء.

لهذا السبب laquo;وغيرهraquo; لا أعلق أهمية كبيرة علي الاحصاءات التي قدمها مسح سوق العمل الذي قامت به بعض الهيئات الرسمية والدولية، وأعلنت نتائجه في آخر أكتوبر ٢٠٠٦، أي منذ أربعة أشهر فقط، وزعم فيه أن حالة البطالة في مصر، وإن كانت قد تدهورت بشدة فيما بين ١٩٨٨ و١٩٩٨، قد أظهرت تحسنًا ملحوظًا في السنوات الثماني التالية laquo;١٩٩٨- ٢٠٠٦raquo;.

إذ تبين من قراءة هذه النتائج أن هذا laquo;التحسن الملحوظraquo; لا يشمل أولا القاهرة الكبري، ومن ثم قد يكون laquo;التحسنraquo; في أرقام البطالة في الريف المصري ناتجًا عن الهجرة إلي القاهرة الكبري بحثًا عن عمل دون العثور عليه، ولكن هذا laquo;التحسنraquo; في أرقام البطالة في الريف قد يكون أيضًا بسبب اليأس بعد طول فترة بطالة ، استمرت بين ١٩٨٨ و١٩٩٨ أو أكثر، ومن ثم لجوء المتبطل إلي قبول أي عمل يعرض عليه فسجل في عداد المشتغلين.

وإنما أبني اعتقادي بتدهور حالة العمالة والبطالة في مصر ليس فقط حتي سنة ١٩٩٨ ولكن بعدها أيضًا، ورغم هذا المسح الأخير لسوق العمل، علي شيئين: الأول: كثرة من نراهم في حياتنا اليومية من رجال ونساء يقومون بأعمال ما كانوا ليقبلوها لولا قلة الفرص المتاحة للعمل المجزي، والثاني: المقارنة بين ما نعرفه عن أرقام الزيادة السنوية في عدد الباحثين عن عمل، ممن بلغوا سن العمل، ومن خريجي الجامعات والمعاهد، وبين حجم فرص العمل التي أتيحت بالفعل عاماً بعد عام.

في الوقت نفسه الذي كانت فيه قدرة الفقراء في مصر علي إشباع حاجاتهم الأساسية laquo;من مأكل وملبس ومسكن وتعليم وصحة ومواصلاتraquo; آخذة في التدهور، خلال العشرين عاماً laquo;١٩٨٦ - ٢٠٠٦raquo;، كانت تحدث أشياء غريبة من شأنها كلها أن تزيد حدة الشعور بالفقر.

كانت الثروات التي تكونت خلال السنوات العشر السابقة laquo;٧٦ - ١٩٨٦raquo;، وهي السنوات الأولي من عمر الانفتاح، قد بدأت تلفت الأنظار، وردد الناس قصصاً كثيرة عما حققه تجار العملة أو مؤجرو الشقق المفروشة من ثراء، أو عن عامل المحارة الذي تحول إلي مقاول صغير، ثم إلي مقاول كبير،

فأصبح مليونيراً في غمضة عين، ورأي الناس ازدياد عدد الأفراح، التي تقام في الفنادق الكبيرة ببذخ شديد لمجرد إثبات النجاح الباهر، الذي حققه هؤلاء التجار والمقاولون في تكوين الثروات الطائلة، ولكني أزعم أن هذا الثراء المفاجئ ،

وهو ما قد يليق به تعبير القانونيين laquo;إثراء بلا سببraquo; لم يثر لدي الفقراء من الإحباط ما أثاره الإثراء الذي حدث خلال العشرين عاماً التالية، فالثراء السابق كان مقترناً بقدرة كثير من الفقراء علي الهجرة، ومن لم يهاجر كان يعيش عصر زيادة عامة في الدخول، تقترن بإنفاق سخي من جانب الدولة، وارتفاع كبير في أجور الحرفيين بسبب الهجرة نفسها،

كان ثراء تلك الفترة laquo;٧٦ - ١٩٨٦raquo; من النوع الذي يثير من الضحك والسخرية أكثر مما يثير من الإحباط واليأس. لم يعد الأمر كذلك في العشرين سنة التالية، فالأغنياء يزدادون ثراء والثراء يزيد فحشاً، بينما أغلقت جميع الأبواب أمام الفقراء، من المتعلمين وغير المتعلمين علي السواء.

كان من مظاهر الفحش في هذا الثراء أن مصدره الأساسي لم يعد هو مختلف أعمال الوساطة laquo;كالتجارة والمقاولة والسمسرةraquo;، كما كان الحال في بداية الانفتاح،

بل أصبح، ويا للأسف، نهب أموال الدولة، ففي مناخ تسوده زيادة كبيرة في الدخول laquo;مثلما كان الحال في ٧٦ - ٨٦raquo; كان من الممكن تحقيق الثراء السريع من تلك الأعمال من أعمال الوساطة، التي تروج في أوقات الرواج، أما في ظل معدلات نمو منخفضة للغاية، وتدهور مستويات الإنفاق من الحكومة والناس علي السواء laquo;كما كان الحال طوال العشرين عاماً الماضيةraquo;، فلا يكاد يبقي هناك من فرص الإثراء إلا نهب الأصول الموجودة بالفعل،

وأسهل هذه الأصول نهباً في ظل دولة ضعيفة، هو طبعاً ممتلكات الدولة، سواء تمثلت في أراض مملوكة للدولة وتعرض للبيع، أو أموال مودعة في بنوك الدولة ومعروضة للاقتراض، أو ممتلكات شركات عامة تعرض للخصخصة. لم يتوقف الإثراء بلا سبب إذن بعد ١٩٨٦، رغم تدهور معدلات النمو، ورأي فقراء المصريين هذا بأعينهم، وعرفوا أسبابه ومصادره، فزاد شعورهم بالغيظ والإحباط.

وأثناء ذلك كله لم يتوقف التليفزيون لحظة واحدة عن بث الصور المثيرة عما يمكن أن يجلبه المال من سرور، حقيقياً كان أو متوهماً، وعندما يكون المال الذي تحوزه قليلاً، يصبح من الأسهل خداعك حول قدرة المال علي جلب السعادة، وقد تضاعفت قدرة التليفزيون في مصر علي هذا الخداع في العشرين سنة الأخيرة،

إذ ضعفت بشدة رقابة المشرفين علي التليفزيون فيما يتعلق بما يجوز ولا يجوز عرضه في مجتمع فقير، وتعريض الناس المستمر لأنماط من الحياة والاستهلاك لا يمكن للغالبية العظمي منهم أن يحلموا بالوصول إليها. ومع زيادة سطوة المعلنين،

وتضاعف قدرتهم علي الدفع، احتلت الإعلانات أهم مكان في ساعات الإرسال التليفزيوني، وتركز الفن الإعلامي، أكثر فأكثر، ليس في القدرة علي تسلية الناس أو إمتاعهم أو تثقيفهم، بل في القدرة علي تضمين البرنامج الواحد أكبر قدرممكن من الإعلانات،

وصولاً إلي تحقيق أقصي ربح، ولو علي حساب المشاهدين المساكين ممن لا تتناسب دخولهم مع تكاليف السلع المعلن عنها، ولم يمض وقت طويل حتي فقد المشرفون علي التليفزيون المصري أي قدرة علي التحكم فيما يشاهده المصريون، إذ بدخول laquo;الدشraquo; واكتساحه المدهش للمدن والقري، تعرض المصريون لإغراءات غير معهودة بأنماط جديدة من الحياة لا صلة بينها بالمرة وبين قدرتهم علي الوصول إليها.

شهدت هذه العشرون عاماً الأخيرة انخفاضاً كبيراً في معدل التضخم بالمقارنة بما كان سائداً في السنوات العشر السابقة، ففي فترة ينخفض فيها معدل الاستثمار بشدة، وينخفض الإنفاق الحكومي والتحويلات الآتية من الخارج، لابد أن ينخفض معدل التضخم، وهذا ما حدث بالفعل،

حيث كان معدل التضخم في المتوس في هذه الفترة laquo;٨٦-٢٠٠٦raquo; نحو نصف معدله في السنوات العشر السابقة laquo;٧٦-١٩٨٦raquo;، ولكن هذا الانخفاض في معدل التضخم لم يحدث الآثار الاجتماعية المرجوة، فلا شعر غالبية الناس بزيادة قدرتهم علي الاستهلاك ولا شعروا باطمئنان أكبر علي مستقبلهم ومستقبل أولادهم، إذن ما جدوي أن تعرف أن الأسعار لم ترتفع بنفس معدل ارتفاعها السابق، إذا لم تكن لديك وظيفة مدرة للدخل في الأصل؟

وكيف تشعر بالطمأنينة لمجرد أن يقال لك إن الأسعار لن ترتفع في المستقبل ارتفاعاً كبيراً، إذا كنت قد فقدت الأمل في أن تعثر أنت أو أولادك علي وظيفة أفضل في داخل مصر أو علي فرصة للحصول علي وظيفة مجزية في الخارج؟

لكل هذه الأسباب مجتمعة شهدنا خلال العشرين عاماً الأخيرة أحداثاً من أنواع جديدة علينا تماماً.

فإلي جانب محاولات مستميتة للهجرة غير القانونية إلي بلاد أوروبية، إلي حد التعرض لخطر الغرق أثناء السباحة إلي شواطئ إيطاليا، سمعنا عن عصابات الأولاد المراهقين، التي تقوم بخطف الفتيات والاعتداء عليهن، وسمعنا أيضاً أخباراً غريبة عن تحرش جنسي في وسط البلد قام به عشرات من الشبان الذين فقدوا، فيما يبدو، أي أمل في تحقيق نمط أفضل من الحياة، فراحوا يهاجمون النساء في العيد وأمام دور السينما،

سواء كان هؤلاء النساء سافرات أو محجبات أو منتقبات، ولابد أن هذه الأسباب مجتمعة هي التي تفسر ملامح اليأس والبؤس الشديدين التي رأيتها علي وجهي الرجل والفتاة اللذين صادفتهما في قطار الإسكندرية، وهما يجران عربة لبيع المشروبات، وكذلك علي وجه الفتيات اللاتي يجلسن أمام ماكينة الحساب في ذلك السوبر ماركت الكبير،

وعلي وجه الفتاة التي تخدم في فندق عالمي بالقرب من مدينة القصير، وكذلك علي وجه ذلك الشاب الذي كان يحاول بأقصي جهد، وكأن المسألة مسألة حياة أو موت، أن يبيع لي أشياء لا حاجة بي إليها في محطة البنزين التي أقامتها حديثاً شركة بترول عالمية حلت محل محطة بنزين التعاون.