سحر بعاصيري

اذا كان نجاح القمم يقاس بالنيات فإن قمة الرياض نجحت. اما اذا كان يقاس بالقرارات فلنكتف بالقول انها لا نجحت ولا فشلت.
وليس في هذا اي افتراء او افساد لفرحة من يعتبرها قمة ناجحة جدا او حتى انتقاص من قيمة النيات.

فمنذ قررت السعودية ترؤس القمة واستضافتها سعت الى اضفاء روح ايجابية عليها سمتها خلال انعقادها quot;التضامنquot;. بكلام آخر قمة بلا مشاكل. وفعلا. انعقدت القمة وانتهت بلا خلافات او مشادات كادت تصير سمة القمم العربية. وجميع الذين حضروا غادروا مسرورين بعد الاشادة بها وبدور السعودية وملكها ولا سيما منهم الرئيس السوري الذي كان التوتر في علاقاته مع الرياض اقرب الى القطيعة. اما من كان مستاء او كان يمكن ان ينغص quot;التضامنquot; فقاطع القمة اساسا.

ومنذ قررت السعودية استضافة القمة كان واضحا انها تريد تكريس دور قيادي مباشر بدأته بحركة ديبلوماسية نشيطة جدا في الاشهر الاخيرة لتهدئة ازمات المنطقة وخصوصا محاولة احتواء الفتنة السنية - الشيعية فانفتحت على خط ايران والعراق وفلسطين ولبنان ومعها كلها واشنطن. وقد تكرس هذا الدور في القمة بالنيات لا بالقرارات، اولا لان العرب عموما يقدرون دور المملكة ونفوذها سواء اتفقوا معها ام لم يتفقوا ولا يناسبهم او لا يحتملون خلافا معها، وثانيا، وهذا الاهم، لان جدول الاعمال تفادى اصلا اي اشارة الى ما قد يتحول موضوعا خلافيا. اكد الدعم لكل من يواجه ازمة من السودان الى لبنان ولكن من دون الخوض في جوهر الازمات وسبل حلها. فلماذا يختلفون اذا وعلى ماذا؟

هل يختلفون على مضمون اعلان الرياض؟ كلام جميل عام عن الهوية العربية وتحصينها وتنميتها في القلوب وبرامج التعليم، والانفتاح على الحضارات الاخرى، ومواكبة التطور ونشر ثقافة التسامح والاعتدال والحوار ورفض الارهاب والطائفية والنزعات الاقصائية، وتطوير العمل العربي المشترك عبر تفعيل المؤسسات القائمة وترسيخ التضامن العربي بما يحتوي الازمات ويحلها، وتاكيد خيار السلام واهمية خلو المنطقة من كل اسلحة الدمار الشامل بعيدا عن ازدواجية المعايير. بل هو كلام يوحي بمرحلة تأسيس ما مع ان الجامعة العربية بلغت ستيناتها.

ام يختلفون مثلا على البند الوحيد الذي جرى التركيز عليه ليكون quot;انجازquot; القمة اي اعادة احياء المبادرة العربية للسلام؟ القمة اقرته، صحيح، لكنها فعلت ذلك قبل خمس سنوات. ولنعترف بأن quot;الانجازquot; لم يكن القرار في ذاته بقدر ما كان توقع أن يحتضنه مناخ دولي واميركي لاحياء عملية السلام. ولنعترف ايضا، بهذا المعنى، بأن فشل وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس بالحصول على اي تجاوب من اسرائيل احبط القمة قبل ان تبدأ.

ماذا بعد القمة؟ المشاكل هي هي تستمر. ربما - فقط ربما - يظل مفعول quot;التضامنquot; ساريا بين الدول العربية الى حين، بما يضمن مواصلة احتواء الازمات وضبط ايقاعها على الحد الادنى الممكن من التوتر ولكن، ويا للاسف، بلا علاجات عربية لها بل انتظار التطورات من الخارج ومعه. ففي غياب اي منحى تنفيذي لمواجهة اي ازمة، على رغم تأكيد رئاسة القمة ان مصير المنطقة يجب الا يتقرر من الخارج، يخشى ان يكون العرب تأخروا ليس في تقرير مصيرهم بانفسهم فحسب، بل حتى في ما اعتبر quot;اعلان الرياضquot; ان quot;ما تجتازه منطقتنا من اوضاع خطيرةquot; بات يستوجبه: الوقوف مع النفس وقفة تامل ومراجعة شاملة.