غسان شربل
شهدت القمة العربية في الرياض محاولة بالغة الجدية لاستعادة القرار وترميم التضامن. محاولة لاستعادة العرب حقهم في التحدث بصوت واحد في الدفاع عن وجودهم ومصالحهم وأمنهم واستقرارهم. محاولة لبلورة رؤية عربية تتم استناداً إليها مخاطبة الدول الكبرى في العالم و laquo;الدول الكبرىraquo; غير العربية في المنطقة. وأظهرت مواقف القادة الذين شاركوا في القمة رغبة عميقة في إنهاء حال اليتم العربية في الاقليم.
مهمة استعادة القرار ليست سهلة. بعض الأرض محتل. بعض الأرض مستباح. وبعض الإرادة يائس أو يراهن على مظلات غير عربية. لكن التجربة أظهرت أن الطلاق مع العالم العربي يزيد الفاعل ضعفاً وإن توهم قوة. وان المظلة العربية، على رغم هشاشتها أحياناً كثيرة، تجنب كل دولة عربية خطر الانزلاق إلى سياسات أكبر منها والانخراط في أدوار لا مصلحة لها فيها على المدى البعيد.
يمكن القول إن قمة الرياض قد نجحت على مستوى النيات والمواقف المعلنة والمصالحات وكسر الجليد وتحريك بعض الملفات ورسم ما يشبه laquo;خريطة الطريقraquo;. ويمكن القول أيضاً إن السعودية وحدها، بما لها من ثقل ورصيد وصدقية، كانت قادرة على بذل هذه المحاولة بعدما تردت العلاقات داخل العائلة العربية إلى مستوى التناقض والتنابذ والتجاهل والتناحر.
نجحت القمة ويبقى أن ينجح التضامن. أن يتحول خياراً دائماً في العلاقات العربية - العربية. وأن يكون حقيقياً بمعنى أن يستند إلى قراءة فعلية مشتركة لجدية المخاطر وحجم المصالح وعائدات التعاون. لهذا كان السؤال المطروح البارحة في الرياض والعواصم العربية هو إلى أين بعد الرياض؟.
يمكن الحديث عن ملفين كبيرين سيكشفان جدية التضامن وفاعليته. ففي الملف العراقي لا بد من عودة عربية إلى احتضان العراق بكل مكوناته. والاحتضان يتضمن تشجيع العراقيين على انجاز المصالحة الوطنية بسلسلة اجراءات بينها إعادة النظر في المواد الخلافية في الدستور ومعالجة مسألتي laquo;اجتثاث البعثraquo; وتوزيع الثروة. فمن دون هذه المصالحة سيتحول الانسحاب الأميركي كارثة، لأنه سيشرع الباب أمام حرب أهلية مفتوحة ذات جاذبية إقليمية. وهذه الكارثة ستكون في حال حصولها اشد هولاً من تلك التي نجمت عن الاحتلال قبل أربعة أعوام. ويدرك العرب أن أي تطلع جدي إلى إعادة التوازن في الاقليم يبدأ باستعادة العراق الذي لا يصح أن ننسى أنه الضلع العربي في المثلث الإيراني - العراقي - التركي.
الوضع العراقي شديد التعقيد. النجاح فيه يصعب أن يكون سريعاً، لكن إقامة السدود في وجه الفتنة المذهبية أمر ملح. والتعاون في هذا السياق يجب أن يكون مدروساً وملموساً وصلباً لوضع القوى الاقليمية والدولية أمام خيار وحيد هو التعاون على قاعدة درء الأخطار واحترام المصالح ومستلزمات التوازن. توحيد الرؤية العربية في العراق سيدفع دولة مثل إيران الى خفض تدخلاتها بعد احترام مصالحها وتبديد مخاوفها.
قبل الامتحان العراقي يطل الامتحان اللبناني. فمنع هذا البلد من الانزلاق الى فتنة مذهبية أو انهيار كامل للمؤسسات يشكل مهمة ملحة. وسيكشف هذا الامتحان ما إذا كانت عودة العلاقات بين سورية وكل من السعودية ومصر، بعد قمة الرياض، تخطت المصالحات والمصافحات الى التعاون الملموس المثمر. ومن شأن انقاذ الاستقرار اللبناني المساعدة على معالجة عقدة المحكمة ذات الطابع الدولي.
تزداد أهمية النجاح في الامتحانين اللبناني والعراقي إذا أخذنا في الاعتبار أن المنطقة بأسرها تندفع نحو امتحان كبير وخطير هو امتحان الملف النووي الإيراني.
التعليقات