جمال بدوي
انفض المولد. وتم زرع التعديلات في جسم الدستور، وبانت هي المرجعية في سن القوانين التي ستصدر تباعاً، وتحدد مسار حياتنا السياسية في المستقبل المجهول، وعندها لن يستطيع أحد أن يحتج علي حرمانه من حقوقه، ولن يكون من حق سجين أن يشكو إلي المحكمة من انتهاك حريته الشخصية، فستقول له المحكمة الدستورية العليا إن القانون مطابق للمواصفات الدستورية وليس فيه خروج علي أحكام الدستور، بعد أن تم تعديله في استفتاء شعبي(!!).
** عندما كانت الأصوات ترتفع وتطالب بإنهاء حالة الطوارئ، ووضع قانون خاص بمكافحة الإرهاب: كانت الحكومة تتقاعس، وتقول إن الدستور يحتوي علي مواد تتعارض مع القانون المطلوب، وتعني بذلك المواد المتعلقة بالحريات العامة ويتضمنها الباب الثالث في الدستور، وللخروج من هذه الورطة أقدمت الحكومة علي إزالة هذه المواد من الدستور حتي ينفسح أمامها المجال للعبث بالحريات العامة، ونجح النظام والحزب في إزالة هذه العقبة الدستورية تمهيداً لوضع قانون جديد يعطي للسلطات الأمنية حق الاعتقال والتجسس وانتهاك الحريات الشخصية دون وازع من الدستور، أو مانع من مبادئ حقوق الإنسان(!!).
** الآن تغيرت الأوضاع.. وبات المناخ مهيأ أمام النظام لفرض هيبته واسترداد هيلمانه، فقد رفعت أمريكا يدها عن دعوي الإصلاح السياسي فزال بذلك أخطر قيد كان يمنع النظام من المساس بالحريات العامة، الآن تنازلت أمريكا عن حقوق الكائن الإنساني في بلاد الشرق الأوسط بعد أن أدركت أن موجة الحرية قد تحمل إلي السطح تيارات أكثر تشدداً.. لقد باعت أمريكا المبادئ بالمصالح، وفضلت أن تتعامل مع أنظمة استبدادية علي أنظمة تنتسب إلي الديمقراطية، علي اعتبار أن الديمقراطية دواء غير صالح للاستعمال في بلاد الشرق(!!).
** الآن يستجمع النظام قواه لتشديد قبضته الحديدية، وتسديد ضربات لأصحاب الألسنة الطويلة عن طريق قوانين تأديبية حتي يدخل الجميع الجحور، ويضعوا ألسنتهم في حلوقهم، وأصابعهم في آذانهم، وأقلامهم في جيوبهم، ويسود الهدوء والصمت والسكون محل الصخب الدائر في شارع عبدالخالق ثروت، وفي ميدان طلعت حرب، وتغلق الصحف المتطرفة، إلي أن يأتي اليوم الذي نتعلم فيه أن الجبن سيد الأخلاق، وفيه نبكي علي أيام نعيشها الآن.. وساعتها نتعجب: كيف سمحوا لنا بأن نتكلم.. ونصرخ.. رغم أن كلامنا ليس أكثر من هباء.. وصراخنا هواء.. وما نفعله هو قبض الريح(!!).
التعليقات