علي حماده
بحثنا طويلا ولم نجد في تاريخ لبنان منذ الاستقلال وقيام الجمهورية مثيلا للسابقة التي يرسيها رئيس مجلس النواب بتعطيله المؤسسة الدستورية الام، وصد ابوابها في وجه غالبية اعضائها. فلا يلتفت الى طلبهم فتح دورة استثنائية، ولا يفتتح العقد العادي بجلسة تخصص لمناقشة القضية الاخطر في تاريخ لبنان الحديث، عنينا قضية المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري. ولا حتى يعين جلسة لاقرار عشرات المشاريع العالقة في الادراج.
بحثنا طويلا فلم نجد سابقة سوى في عهد الانتداب. فقد كان المندوب السامي الفرنسي عندما لا يعود يأمن لمناخات المجلس يعمد الى حله. ولكن لم يسبق لا لمندوب سام ولا لرئيس مجلس نواب في عهد الاستقلال ان قام بتعطيل متعمد للمؤسسة الاشتراعية على النحو الذي نشهد اليوم.
هي سابقة اذا، والرئيس نبيه بري يتحمل اليوم مسؤولية تاريخية حيال quot;مؤسسة لبنانquot; التي يجري اختطافها فئويا، وحزبيا. فئويا لان ممثلي فئة لبنانية، على اهميتها، يمنعون ممثلي بقية الفئات اللبنانية من ممارسة حقوقهم الدستورية من خلال مجلس النواب. انها سابقة تمثل خطرا داهما على وحدة البلاد. والرئيس بري مسؤول اول. وحزبيا لان رئيس المجلس يدير المؤسسة باعتبارها مؤسسة حزبية والا كيف يبرر حضور مسؤولين حزبيين من حركة quot;املquot; الاجتماعات التي يعقدها مع الزائرين الخارجيين في quot;بيت الشعبquot; في عين التينة؟
وهي سابقة، لم يقدم عليها من سبقوا بري من احمد الاسعد، الى صبري حماده، فعادل عسيران، وكامل الاسعد، وحسين الحسيني. ومعلوم ان لبنان مر بظروف صعبة للغاية، ومع ذلك لم يحصل لمن سبقوا بري في الرئاسة ان حاولوا او حتى فكروا بتعطيل مجلس النواب على النحو الذي يفعل بري. وعلى سبيل التذكير فقط نقول ان الرئيسين الخصمين والحيين اليوم (أطال الله عمريهما) كامل الاسعد وحسين الحسيني قادا مجلس النواب في مرحلة الحرب من 1975 الى 1992، في زمن سقط فيه مئتي الف لبناني، ولم يعطلا المجلس، لا بل حملاه الى اماكن اكثر امانا ليؤمنا مسيرته. ومن اجل لبنان طاف الرئيس حسين الحسيني بالمجلس ليحط في الطائف، وليقر ميثاقا وطنيا جديدا يوقف الحرب.
لقد كانت المهمة الاسمى لكل رؤساء مجلس النواب السابقين ان تبقى المؤسسة تعمل، حتى لو انهار البلد بأسره. وجاءت ايام وانهار لبنان من اقصاه الى اقصاه، وتشرذم الجيش، وبقي مجلس النواب حصن الوحدة المحاصر. لكنه بقي.
الحق اننا اليوم عندما نرى ما يحصل للمجلس في عهد الرئيس نبيه بري الذي نقدر على الصعيد الشخصي، نكتشف كم كانت كبيرة خطيئة بعضنا تحت عنوان المساهمة في تدمير لبنان التقليدي الذي حملناه كل الخطايا والمساوئ. ماذا فعلنا؟ لقد استبدلنا لبنان كان يعاني خللا قابلا للاصلاح بكلفة وطنية معقولة، بلبنان آخر نكتشف اليوم من خلال ما نراه في مجلس النواب انه مخلوق مدمر، لن يتوقف الى ان يدمر كل ما حوله من جميل في هذا البلد.
وفي هذه الاثناء نقول لرئيس مجلس النواب، ان مسؤوليته التاريخية هي تلك التي يرسمها اليوم بمسلكه في المؤسسة الدستورية. فاما يكون رئيسا لمجلس نواب يمثل الوطن بأسره، واما يقرر انه اولا وآخرا ممثل فئة فيحوّل مجلس النواب اللبناني مجلسا ملّيا، وعند ذلك لا يعود ثمة ما يميز مجلس النواب اللبناني عن اي مجلس مذهبي او ملّي آخر في لبنان. ولا يعود تاليا ثمة ما يفصل بين لبنان يرئس مجلسه النيابي الاستاذ نبيه بري وأي دولة فاشلة آيلة الى التفكيك والتشرذم بالدم والحديد والنار.
حرام!
- آخر تحديث :
التعليقات