الأربعاء 4 أبريل 2007
سعد محيو
تطوران أحدهما خطير والثاني أخطر وقعا في يوم واحد. الأول (الخطير) نقل على لسان الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز، الذي لم يعرف عنه انه يطلق التصريحات جزافاً أو بهدف الابتزاز السياسي. قال العاهل السعودي إنه أبلغ القادة الإيرانيين أن عليهم أن يأخذوا التهديدات الأمريكية على محمل الجد، لأنها ldquo;حقيقية وملموسةrdquo;.
والثاني (الأخطر) أدلى به رئيس الأركان الإيراني الجنرال حسن فيروز، ليس حين حذر من ldquo;هجوم انتحاري صهيوني يبدأ من لبنان وسوريا ويمتد إلى الأردن ومصر والسعوديةrdquo;، فهذا يبدو محض ألعاب سياسية تخويفية، بل لما يبدو أنه قراءته الخاصة لأحداث الشرق الأوسط.
فقد رأى الجنرال الإيراني أن الهجوم ldquo;الإسرائيليrdquo; يستهدف الحيلولة دون سحب الولايات المتحدة قواتها من العراق والشرق الأوسط. وأضاف ان الشعب الأمريكي ومجلس الشيوخ والكونجرس أدركوا أنهم يضحون بمصالحهم من أجل الشر الصهيوني، وقرروا سحب القوات الأمريكية من المنطقة. لكن الصهاينة والمحافظين الجدد الأمريكيين يريدون تبرير وجود أمريكي في المنطقةrdquo;.
أمريكا قررت الانسحاب من الشرق الأوسط؟
إذا ما كان هذا أيضاً تحليل أو تفكير القيادة السياسية العليا في طهران، فهذه ستكون الكارثة بعينها، لأنها ستعني أن القيادة انتشت بما تعتبره صعوداً غير مسبوق للنفوذ الإيراني منذ أيام قورش، فأصابها ذلك بعمى ألوان استراتيجي. وهذا مرض عضال يصيب الأفراد والدول على حد سواء التي تنتقل فجأة من منتهى الضعف إلى منتهى القوة، أو من ذروة الفقر إلى قمة الغنى.
كما أنها ستعني أن القادة الإيرانيين، كما القادة العراقيين الصداميين قبلهم، يطرحون مقدمات تحليلية خاطئة حول السياسات الأمريكية في المنطقة. وبديهي بعد ذلك أن يخرجوا منها بخلاصات (ومواقف) خاطئة:
فهم، مثلاً، لا يبدو أنهم يدركون أن الولايات المتحدة مستعدة لشن عشر حروب عالمية لضمان استمرار سيطرتها على الشرق الأوسط الذي يتضمن ثلثي احتياطي العالم من هذا النفط.
وهم يعتقدون أن الانقسام الديمقراطي والجمهوري إزاء كيفية الخروج من ورطة العراق، يشبه ذلك الذي سبق الانسحاب الأمريكي من فيتنام والهند الصينية. وهذا بالطبع أضغاث أحلام. فالعراق ليس فيتنام. والإنسحاب الأمريكي منه سيكون تكتيكياً لا استراتيجياً. ثم أن الديمقراطيين والجمهوريين يتوحدون في خندق واحد ضد أي طرف يهدد أحد كنزين شرق أوسطيين لهما: النفط وrdquo;إسرائيلrdquo;. وإيران تشكل الآن تهديداً لكليهما.
وهم، أخيراً، لا يتوقفون امام الحقيقة بأن انسحاب أمريكا من الشرق الأوسط، لن يعني تهاوي زعامتها العالمية فحسب، بل هو سيؤدي حتى إلى تحولها إلى دولة كبرى معزولة ومتآكلة داخلياً. وهذا بالطبع غير وارد بالنسبة لقوة خاضت ثلاث حروب عالمية متتالية تمحورت في معظمها حول مسألة السيطرة على النفط والموارد الطبيعية.
كل هذه المعطيات الثوابت لم تكن واردة في تحليل الجنرال فيروز حول رغبة أمريكا في ldquo;الانسحاب من المنطقةrdquo;. وهي تشبه إلى حد بعيد تحليلات صدام حسين الواثقة إزاء ldquo;عدم استعداد أمريكا لخوض حرب مكلفة في الخليجrdquo;، عشية غزوه للكويت.
وهذا النمط (أو اللامنطق) من التفكير هو الأخطر الآن بالنسبة لمسألتي الحرب والسلام في منطقة الخليج، وبقية الشرق الأوسط.
هل اندفع العاهل السعودي إلى إطلاق تحذيراته لإيران، لأنه سمع من الرئيس أحمدي نجاد تحليلاً مشابهاً لما سمعناه من الجنرال فيروز؟ الأرجح أن الأمر كذلك.
التعليقات