سحر بعاصيري

تحولت نهاية ازمة البحارة البريطانيين الذين اعتقلتهم ايران الى ما يشبه عرض إغراء قدمه الرئيس محمود احمدي نجاد للغرب مغلّفا برسائل محتشمة من quot;رحمةquot; وquot;انسانيةquot; بلغ ذروته بالافراج عن هؤلاء quot;هدية للشعب البريطانيquot;.
بعد التأزم وتشدد البلدين ثم التهدئة وقرارهما حل الازمة بالحوار وقبول طهران بضمانات بدل الاعتذار عن انتهاك مياهها الاقليمية رغم اصرار بريطانيا على ان البحارة كانوا في المياه العراقية، اعلن نجاد ان quot;بريطانيا تعهدت في رسالة عدم تكرار مثل هذه الحوادث، لكن الافراج عنهم غير مرتبط بهذه الرسالة بل نابع من الرحمة الاسلاميةquot;.
ثم تحوّل واعظا فطلب من رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير عدم محاكمتهم لانهم اعترفوا بانتهاك المياه الايرانية ودعاه الى quot;العودة الى العدل والاخلاق بدل تأجيج التوتر وتطوير الاسلحة واحتلال الدولquot; وعاتبه على إسناد مهمة دورية بحرية الى سيدة هي أم لطفلة.
وتلقى الشعب البريطاني ومعه العالم quot;هديةquot; نجاد له حتى قبل ان تتأكد الحكومة البريطانية مما تسمع بعدما فوجئت بالاعلان. التلفزيونات بثت وقائع العرض حتى نهايته السعيدة باستقبال نجاد البحارة وتبادله الاحاديث معهم.
quot;ضرب ذكاءquot; من ايران هذا الذي قدمه نجاد لا تقتصر quot;هديتهاquot; فيه على اطلاق البحارة. هو quot;هديةquot; مزدوجة للايرانيين وللغرب تمثل عرض قوة للداخل وعرض اغراء للغرب.
فاعتقال البحارة ترافق مع تصاعد الكلام عن ضربة عسكرية وشيكة لايران وتزايد الحشود البحرية الاميركية في الخليج وتبني مجلس الامن عقوبات اضافية مشددة عليها تشمل تجميد اصول قادة الحرس الثوري المعني مباشرة باعتقالهم. وسواء أكان احتجازهم مصادفة أم مخططا له، لم يكن ممكنا ان تقاوم ايران اغراء استخدام الحادثة لتخفيف الضغوط عنها ومحاولة فتح قناة اتصال جدية مع بريطانيا مدخلها مبرر وقد تقود أيضا الى اميركا وكذلك رفع معنويات الايرانيين بتأكيد صلابة حكومتهم وقدرتها على مواجهة الغرب. وقد اثبتت لهم من خلال تعاملها مع الازمة، اولا باصرارها على الاعتذار دفاعا عن سيادتها ثم برفضها أسلوب quot;الاستكبارquot; البريطاني انها لا تتراجع ثم ان بريطانيا استجابت وغيرت سلوكها. وبهذا المعنى يفهم الايرانيون ان بلادهم علمت بريطانيا درسا في التعامل معها خصوصا ان الازمة وحّدتهم باصلاحييهم ومتشدديهم خلف الموقف الرسمي.
هذا الدرس تقصد ايران ايصاله quot;هديةquot; الى الغرب وتحديدا أميركا لاغرائها بالحوار معها في الموضوع النووي وغيره. فتتمة الدرس انه لحظة غيّرت بريطانيا سلوكها وقبلت بالحوار بالغت ايران في التجاوب معها الى حد اطلاق البحارة quot;هديةquot; وليس بموجب صفقة ما او حتى مقابل التعهد.
بل ان نجاد لم يتردد في القول إن تطورات الازمة هذه ونهايتها يمكن ان تكون نموذجا لتغيير العلاقات مع أميركا.
وأهم ما في الامر ان ايران استطاعت بهذه النهاية سحب ما كان يمكن ان يكون ذريعة لتوجيه ضربة عسكرية اليها وردّتها quot;هداياquot; الى الغرب في لحظة أظهر الرئيس جورج بوش تشددا ازاءها ودعما مطلقا لبلير بعدم quot;مقايضة الرهائنquot;، لعل أثمن ما فيها ان استعداداتها للتجاوب قد تفوق التصور اذا ما تغير نهج التعامل معها الى صيغة تحفظ ماء وجه الجميع، وهذا يعني لايران ألا تبدو أنها تراجعت في قضية تعتبرها في صلب حقوقها وسيادتها.
وعليها الآن ان تنتظر اذا كانت quot;هديتهاquot; بل عرضها سيؤتى ثمارا.