منير أكرم - نيويورك تايمز

عندما يندلع موسم القتال في الربيع، فإن أفغانستان ستكون على موعد مع العديد من التحديات؛ فهناك الإرهاب وطالبان والتطرف الإسلامي والمخدرات والمجرمين وأمراء الحرب والصدام الفئوي وحكومة ضعيفة وتواجد أمني وطني ودولي أمني غير كفؤ.

ولعل هذا هو الوقت المناسب لوضع تقويم موضوعي للبنية الأفغانية والإقليمية، إضافة إلى وضع استراتيجية تفضي إلى التغلب على تلك التحديات. ويجب أن تكون هذه الاستراتيجية شاملة تجمع بين الاحتواء العسكري وبين المصالحة السياسية والسيطرة الإدارية والتطوير الاجتماعي والسياسي السريع. ويجب عليها أن تقيم سلاما بطريقة من الأسفل إلى الأعلى-قرية بقرية ومقاطعة بمقاطعة- من خلال عرض حوافز وكوابح لضمان دعم وتعاون السكان المحليين.

إن كسب قلوب وعقول الناس هو أمر أكثر أهمية حتى من قتل أو أسر المتمردين. وربما تفضي التكتيكات العسكرية التي تسبب في حدوث إصابات مدنية جماعية وفي إلحاق إضرار بالممتلكات إلى قتل 10 إرهابيين، لكن سوف يتخلق 100 آخرون. والأكثر أهمية هو أن أي استراتيجية لن تنجح بدون عملية إعادة اعمار وتنمية اقتصادية متسارعة. والتي ينبغي أن تبعث الأمل في الناس؛ الأمل بإحلال السلام والحصول على الوظائف وحيوات أفضل لهم ولأحبائهم.

لقد شهدت مناطق باكستان الأمامية دعما هائلا للمتطرفين خلال العقود الثلاثة من النزاع في أفغانستان. وبعد طرد طالبان من أفغانستان في أواخر عام 2001، عبر آلاف المقاتلين من القاعدة وطالبان الحدود إلى باكستان، ونحن ملتزمون بالقضاء على نفوذهم. وهذا أمر ضروري إذا ما أريد تحقيق أهداف باكستان في التحديث السريع وزيادة روابط التجارة والطاقة في آسيا الوسطى.

وهكذا فان إي استراتيجية لإضفاء الاستقرار في جنوب وجنوب شرق أفغانستان يجب أن تسير يدا بيد مع الجهود التي تبذل في المنطقة الأمامية من باكستان. وخلافا للانتقادات الموجهة من البعض في كابول وواشنطن، فقد قدمت الباكستان مساهمات كبيرة لهذا الاستقرار.

أولاً: استطاع الجيش الباكستاني ووكالات الاستخبارات الباكستانية أن تلقي القبض على أكثر من 700 من إرهابيي القاعدة، ودمرت معظم هيكلية القيادة والتحكم للمجموعة في جانبنا من الحدود. وكما لاحظ نائب الرئيس ديك تشيني، فإننا quot;القينا القبض وقتلنا من القاعدة في باكستان أكثر مما قتل في إي مكان آخرquot;. وقد دفعنا لتحقيق ذلك ثمنا باهظا. ففي العمليات العسكرية التي بلغ عددها 90 عملية عسكرية، فقدت الباكستان حوالي 700 جندي. وشن الإرهابيون عدة هجمات انتحارية ضد زعمائنا وقواتنا الأمنية وضد أهداف مدنية. لكن هذا لم يرهبنا. ومع أن القاعدة ما تزال طليقة وتتعرض للمطاردة، فإننا لن نسمح لها بالتأكيد بإعادة تجميع صفها على أرضنا.

ثانيا: لقد القينا القبض على أكثر من 1500 من ميليشيات طالبان وسلمناهم لأفغانستان خلال السنوات الثلاث الماضية، بمن في ذلك جزء ضخم من القيادة. ونستطيع بالطبع أن نفعل الكثير مع الأخذ بعين الاعتبار أن مراكز طالبان للتدريب والتمويل والقيادة توجد في أفغانستان كما أكدت على ذلك تقارير الأمين العام للأمم المتحدة.

ثالثا: إن باكستان تقوم بجهود جديدة للسيطرة على حدودها الصعبة التي تمتد مسافة 1500 ميل مع أفغانستان. واليوم يوجد 80000 جندي باكستاني منتشرون في المناطق القبلية وعلى طول الحدود. وقد تم إقامة حوالي 1000 نقطة حدودية على الحدود. أما مسافة العشرين ميلاً الأكثر وعورة على طول الحدود حيث تتم عمليات عبور سرية عديدة، فإنها ستسيج قريبا.

لقد شرعنا بالإضافة إلى ذلك في القيام بإجراءات أكثر مرونة لتنظيم حركة التنقل القانونية في الحدود بين الباكستان وأفغانستان، حيث يعبر الحدود يوميا حوالي 300000 شخص. وذلك عن عن طريق استخدام بطاقات بيومترية لتحسين عملية التدقيق في الهويات (يجب أن أشير إلى انه من غير المفيد كثيراً أن يقدم حرس الحدود الأفغانيين على تمزيق وإلقاء هذه البطاقات). ولا شك في أن حركة أفراد الميليشيات تتم بالطبع في كلا الاتجاهين. ولعل السيطرة على الحدود تظل مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الباكستان وأفغانستان وقوات الائتلاف الدولي. ولا يمكن تحميل المسؤولية للباكستان فقط.

ثمة في الحقيقة تعاون مكثف عبر شراكات رسمية مثل اللجنة العسكرية الثلاثية -المكونة من باكستان وأفغانستان والناتو- ومجموعة العمل التنسيقية التشغيلية التابعة لها ومركز العمليات الاستخباراتية المشترك في كابول. والى جانب المشاركة الاستخباراتية الحقيقية، فان باكستان ستستفيد من المعدات الالكترونية وغيرها مما يزودها به الغرب بغية شن حملة أكثر فعالية على الحركة غير القانونية عبر الحدود.

رابعا: ستتصرف باكستان قريبا لإزالة إي أسس متبقية للمزاعم حول ما يسمى quot;ملاذاتquot; وquot;أماكن آمنةquot; لطالبان في باكستان. وبعد اجتياز الحدود إلى باكستان فإن عناصر طالبان غالبا ما يندمجون مع عدد اللاجئين الضخم، وبحيث يكون من الصعب التمييز بين الميليشيات المنتمية لطالبان عن باقي الآلاف من الأفغان. وغالباً ما تعثر طالبان في هذه المعسكرات على المجندين.

لحل هذه المشكلة، توصلنا إلى اتفاقية مع الحكومة الأفغانية لإزالة أربعة معسكرات ضخمة. بير اليزابي وغيديري جنغل في مقاطعة بلوشستان وجلوزاي وكاتشي غارهي في المقاطعة الأمامية الشمالية القريبة من أفغانستان. وستعيد باكستان أيضا ما تبقى من اصل الثلاثة ملايين لاجئ أفغاني الذين نعموا بالحماية داخل حدودها في السنوات الثلاث التالية. وقد استضفناهم على مدى الثلاثين عاما المنصرمة دونما أي تقدير مقرون بالمساعدة الدولية، ما وضع عبئا هائلا على عاتقنا وساهم في نشوء الميليشيات.

وأخيرا: إن لدى باكستان استراتيجية شاملة لترويج السلام والتقدم في مناطقنا الحدودية الأمامية. والهدف هو كسب السكان المحليين وعزل الميليشيات. أما الاتفاقية التي تم التوصل إليها بين الحكومة الباكستانية وشيوخ القبائل في شمال وزيرستان في أيلول - سبتمبر الماضي فكانت أساسا لمقايضة السلام بالتنمية الاقتصادية.

وخلافا لتأكيدات بعض الأفغان، فإنه ليس ثمة علاقة مؤكدة بين الاتفاقية وتصاعد حوادث العنف في أفغانستان في السنة الماضية. وبدلا من ذلك، فان الضربات العسكرية التي تمت في الأسابيع الأخيرة من قبل القوات القبلية ضد الازبكيين وغيرهم من الميليشيات الأجنبية في جنوب وزيرستان يجب أن تؤكد فعالية هذه الطريقة.

إن الباكستان ما انفكت تدافع عن اتباع طريقة مشابهة في العمل مع زعماء القبائل على الجانب الأفغاني من الحدود، والتي تتوصل من خلالها كابول إلى عقد اتفاقيات من خلال مجموعات محلية او من الجيرغا. وكانت هذه الفكرة هي جوهر الاجتماع الثلاثي الأطراف الذي ضم باكستان وأفغانستان وقوات التحالف، والذي نظمه الرئيس بوش في أيلول ndash; سبتمبر الماضي. وهو ما أفضى إلى عقد الاجتماع الأول للجان الجيرغا الباكستانية والأفغانية في كانون الثاني - يناير - في العاصمة الباكستانية إسلام أباد، حيث اتفقت الإطراف في حينه على وقف لعبة توجيه اللوم وزيادة التعاون لمعالجة مشاكل السيطرة على الحدود المشتركة وإعادة اللاجئين.

وعلى المدى البعيد، تنصب الجهود المشتركة لأفغانستان وباكستان على أمور أهم من الإرهاب, فكل بلد هو في أمس الحاجة إلى إعادة اعمار وتنمية سريعة في جانبه الخاص من الحدود. وإننا إذ نشعر بالامتنان لالتزام الولايات المتحدة بتقديم مساعدات بقيمة 750 مليون دولار على مدار الأعوام الخمسة التالية للمناطق القبلية الباكستانية، فإننا نأمل بمزيد من المساعدات من جهات مانحة أخرى لتحقيق هذا الهدف الحيوي.

لعل خلق quot;مناطق فرص إعادة الإعمارquot; في المناطق القبلية يشكل جزءً رئيسياً من جهود باكستان. وسيستثمر القطاع الخاص الباكستاني في الصناعة والإنتاج في وقت وعدت فيه واشنطن بدخول منتجات هذه المناطق عبر تعرفة خاصة ومعفاة من الرسوم إلى سوق الولايات المتحدة. كما يجب على الاتحاد الأوروبي أن يقدم أيضا مثل هذه التسهيلات. وسنقوم بالمقابل بتقديم المساعدة لأفغانستان في خلق مناطق اقتصادية مشابهة على جانبها من الحدود.

إن من مصلحة باكستان والولايات المتحدة والأفغانيين أنفسهم خلق أفغانستان آمنة ومستقرة ومزدهرة. ولعل إطار العمل التعاوني الذي أسسته أفغانستان وباكستان والولايات المتحدة والناتو والمجموعة الدولية سيكون حيويا للنجاح في ذلك، لكن ذلك الالتزام يجب أن لا يتآكل نتيجة تراكم الحنق مع التراجعات التي تحدث من آن لآخر.