سليمان جودة
لا جديد في أن يقول جمال مبارك، أمين السياسات في الحزب الوطني، لجمال عنايت، علي قناة أوربت، مساء أمس الأول، إنه لن يرشح نفسه لرئاسة الجمهورية، في الانتخابات المقبلة، وإنه سوف يرشح نفسه لأي عمل حزبي فقط.. لا جديد..
ولكن الجديد حقاً هو أن يقول، إنه لن يرشح نفسه، حتي لو كان ترشيحه وقتها استجابة لضغوط حزبية.. فالحزب، في تقديره، لن يفرض عليه شيئاً لا يريده هو.. فما يستهويه علي حد تعبيره، هو العمل الحزبي فقط!
ولابد أن الناس معذورة، في أن تكون حساسة جداً، تجاه هذه النقطة تحديداً.. فالرئيس عبدالناصر، تنحي عام ٦٧، ثم عاد بناء علي رغبة هتافات الحزب الواحد يومها، ورغبة الجماهير.. والرئيس مبارك، قال في أول عهده، إنه يريد فترة واحدة، أو فترتين..
ثم انتهي إلي رفض تعديل المادة ٧٧، التي لا تحدد، بصورتها الحالية، فترة بقاء الرئيس في منصبه.. وانتهت أيضاً، إلي البقاء لما يقرب من ٣٠ عاماً، لأن الناس، علي حد تعبير بعض المحيطين به، تريده!!.. وما فعله السادات، بالمادة نفسها ، جاء في مايو ١٩٨٠ بناء علي رغبة laquo;هوانم البرلمانraquo;.. وبعض رجاله!
وقد يكون الجديد، أيضاًَ هو ما يقوم به جمال مبارك، من زيارات متوالية للمحافظات.. هذه الأيام.. لقد زار الشرقية أمس.. وقبلها كان في الصعيد أكثر من مرة، وفي أكثر من محافظة.. وفي كل زيارة كان الهدف المعلن منها، هو الرغبة في إحداث نقلة نوعية في حياة الصعيد، بوجه عام..
وكان يقول دائما، ولا يزال، إنه يريد نهضة حقيقية لهذا القطاع الجنوبي الطويل، الذي ظل مهملاً من الدولة، لعقود طويلة، حتي إن الأستاذ أحمد رجب، وصفه في صحيفة laquo;الأخبارraquo;، بأنه تحول إلي بلد فقير مجاور، من بلاد العالم الثالث!.. ولابد أن أمين السياسات يريد أن يوقف هذا الطوفان من الهجرة المتواصلة، التي تأتي إلي القاهرة، من الصعيد، ويريد أن يخلق عملاً لهؤلاء الذين يفترشون أرصفة العاصمة، قادمين من الصعيد، بلا عمل.. ولا أمل!.
وهو يريد أن يقود إصلاحاً، بصفة عامة، في الصعيد، وفي غير الصعيد.. ويريد أشياء كثيرة، يعلنها في زياراته التي لا تتوقف للمحافظات، لأنه يؤمن بأن القاهرة تستأثر بكل شيء، وأنه لابد أن ينصرف الاهتمام، في جانب كبير منه، إلي المحافظات، علي مستوي الوجهين البحري والقبلي.. ولا أعرف لماذا تذكرت الآن الآية الكريمة التي تقول laquo;أرأيت الذي ينهي عبداً إذا صليraquo;..
ففي كل مرة يظن فيها جمال مبارك، وهو يعمل في أي موقع، يتساءل كثيرون علي الفور: ماذا يفعل جمال مبارك.. ولماذا يفعل.. وبأي صفة.. وماذا وراء ما يفعله؟ فإذا اختفي قيل: أين جمال مبارك.. وماذا يعمل الآن .. ولماذا لا يعمل.. حتي أصبح جمال مبارك نفسه، لا يعرف ماذا عليه أن يعمل؟.. هل يتوقف عن الاجتهاد الذي يمارسه، كما يفعل أي بشر؟!..
هل يأخذ زوجته ويرحل ويجرب الاجتهاد، في بلد آخر.. هل يختفي.. هل يستجيب لكل من ينهاه عن العمل، ولا يريده أن يظهر في أي مكان.. هل.. هل.. إلي آخره؟!
تقديري أننا أخذنا جمال مبارك، دوماً، بالتوقع، والظن، والاستباق.. فلماذا لا نأخذه، هذه المرة، بالمضمون.. والموضوع.. ثم نحاسبه؟!
أن هناك من يقول إن جمال مبارك، قد أحدث تطوراً، في أداء الحزب والحكومة والجهاز المصرفي، منذ إنشاء أمانة السياسات، عام ٢٠٠٢، وتولي رئاستها.. وهناك، علي الجانب الآخر، من يقول، إن هذا التطور، حتي وإن كان قد حدث فعلاً، فإن المواطن العادي لا يري له أثراً، في حياته، إلي هذه اللحظة..
وقد يكون مردود علي ذلك، بأن تدهوراً كبيراً، كان قد أصاب الأداء العام، طوال عشرين عاماً مضت، وإن وقف هذا التدهور، فهو خطوة في حد ذاته.. ولكن.. في كل الأحوال، وبافتراض أن يكون تطوراً من هذا النوع، قد حدث، فإنه ليس معقولاً، أن يظل مرهوناً، بإرادة شخص واحد.. ووجود رجل واحد، اسمه جمال مبارك!
التعليقات