لي هدسون تيسليك - مجلس العلاقات الدولية

في النقاش الدائر حول إمكانية التعايش بين الديمقراطية والاسلام في الشرق الاوسط، عادة ما يتم الاستشهاد بتركيا على انها نموذج معذب للاستقرار، والتوازن المعقول بين الإسلام والنظام العلماني. وتشير الاحتجاجات الكبيرة التي جرت مؤخراً، طبقا لما ذكرته صحيفة تيركيش ديلي نيوز، والتي جاءت ردا على دعم البرلمان التركي لمرشح اسلامي رئاسي معتدل الى دقة وحساسية الحفاظ على هذا التوازن. ووفق هيئة الاذاعة البريطانية، فان المحتجين كانوا يعترضون على تأييد أغلبية من البرلمان التركي يوم السابع والعشرين من نيسان - إبريل الماضي لترشيح وزير الخارجية عبدالله غول ليكون الرئيس التالي للبلاد. اما معارضو غول - بمن فيهم قيادة المؤسسة العسكرية القوية في البلاد- فيعتبرونه شخصاً إسلامي التوجه، ومناقضاً لروح الدستور العلماني لتركيا ولإرث رئيسها الأول وأيقونتها مصطفى كمال اتاتورك.

إن التوترات بين العلمانيين وبين الإسلاميين المعتدلين في تركيا ليست شيئاً جديداً. لكنه يبدو أن التصويت قد ضرب على عصب حساس. وقد افضت الاحتجاجات التي اندلعت فور الانتهاء من التصويت في البرلمان الى نشوب حملة شنتها الشرطة، وأسفرت عن اعتقال اكثر من سبعم ئة شخص. وفي أعقاب قرار اتخذته المحكمة التركية العليا قضى بالغاء نتيجة التصويت البرلماني، قال رئيس الوزراء الحالي رجب طيب اردوغان الذي يدعم غول انه سيسعى إلى إعادة النظر في النظام الانتخابي في البلاد، وسيضغط من اجل اجراء انتخابات عامة مبكرة استنادا الى ما ذكرته صحيفة الفايننشال تايمز.

لعل المفارقة تكمن في أنه لا غول ولا حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي اليه هما إسلاميا التوجه بشكل خاص، كما يقول مورتون اي ابراموفيتش، السفير الاميركي السابق لدى تركيا في مقابلة مع موقع CFR.org's Bernard Gwertman. ويشير ابراموفيتش الى ان غول يعتبر لدى الدوائر الغربية صانع سياسة اصلاحيا، كما يقول ان إمكانية أن تصبح تركيا دولة متطرفة هو احتمال غير وارد اطلاقا، محيلاً السبب في عدم الاتفاق الحالي الى قوة إرث اتاتورك.

ومع ذلك، فإن حالة عدم التوافق ما تزال قائمة، مثلها مثل حال التهديد القائم بتقويض التطورات والتقدم التي احرزتها تركيا مؤخراً، وخاصة في الحقل الاقتصادي. وفي الاثناء، تقول مجلة الايكونوميست ان افضل رهان لتطمين قادة قطاع الاعمال بعد اضطرابات الاسبوع الماضي قد يتمثل في تخلي حزب العدالة والتنمية عن ترشيح غول لرئاسة البلاد وإعادة برمجة الانتخابات العامة لشهر تموز القادم، (حيث من المرجح أن يحتفظ حزب العدالة والتنمية بأغلبيته، بل وربما يوسعها).

أما بالنسبة لجنرالات البلاد ذوي النزعة القومية والمعادين للنزعة الإسلامية، فيقول مقال افتتاحي لصحيفة وول ستريت جورنال إن تهديداتهم بالقيام بانقلاب يمكن ان تكون اكثر تدميرا لديمقراطية تركيا من وجود رئيس إسلامي التوجه. ويشير سيتفين ايه كوك من مجلس العلاقات الدولية الى ان مسؤولي الاتحاد الاوروبي يتحملون المسؤولية جزئيا عن تقوية النزعة القتالية العلمانية، لانهم زودوا العسكريين الأتراك بالقوة عبر إرسال إشارات تشاؤمية سرية حول فرص قبول تركيا في عضوية الاتحاد الاوروبي، حتى شعر الجنرالات بأنهم ليس لديهم الكثير ليخسروه.

وبغض النظر عن اللوم، فان الحاجة الماسة الان هي اعادة تثبيت الوحدة، وفق تقديرات وكالة الأسوشيتدبرس، فيما يعيش أردوغان الآن تحت ثقل ضغط كبير ليتمكن من فعل ذلك. ويقول تقرير خاص لمجلس العلاقات الدولية حول العلاقات الأميركية-التركية إن مثل هذا الاستقرار يعتبر حساسا بالنسبة للولايات المتحدة التي تحتاج الان اكثر من اي وقت مضى الى حليف ديمقراطي في الشرق الاوسط.