...quot;معرقنةًquot; ويتحدّى النظام العربي ويهدّد القرار 1701

المطلوب ورشة لبنانية ـ فلسطينية ـ عربية واستعانة ببنود القرارات الدولية

نصير الأسعد

لم يعُد خافياً انّ النظام السوري اتخذ قراراً بتصعيد الحرب الأمنية في لبنان وعليه، وانّ هذه الحرب متعددة الجبهات ولا تقطّع ـ أي إنقطاعات ـ فيها.
الحرب الإرهابية ردّ على الفشل فشل نظام الأسد وحلفاؤه وأتباعه في تحقيق أي من الأهداف السياسية التي وضعوها نصب أعينهم، سواء في منع إقرار المحكمة الدولية التي ستصبح معطى قائماً في الأيام القليلة المقبلة أو في تغيير التوازن السياسي العام الذي طرحوه بما يعيد النفوذ السياسي السوري إلى المعادلة اللبنانية.
الردّ من جانب نظام دمشق على هذا الفشل quot;المريعquot; يعتمدُ الحرب الأمنية المفتوحة في محاولة لإستنزاف الجيش اللبناني ومعه سائر القوى الأمنية وإتعابهم وإضعافهم أولاً، وفي محاولة لترهيب اللبنانيين وتيئيسهم وتدفيعهم كلفة باهظة في الأرواح والأرزاق والمصالح ثانياً، وفي محاولة لإطلاق حالة من الفوضى العامة التي تمكّنهم من ضعضعة الدولة والمؤسسات وإستباحة الوضع برمّته ثالثاً. وعندهم البديل من الإنجاز غير القابل للتحقّق هو التخريب القابل للتحقيق.


تصدير نظام الأسد لـquot;الشكلquot; العراقي
وإذا كان ممّا لا شكّ فيه انّ هذا التخريب بواسطة الحرب الأمنية المفتوحة لا يمنعُ محكمة دولية صارت قيد الإقرار، علماً انّ نظام الأسد يلعب الآن في ربع الساعة الأخير على quot;أملquot; أن يثبت لمجلس الأمن انّ لبنان سيحترق إذا أنشئت المحكمة فيرتدع المجلس عن إقرارها، فممّا لا شكّ فيه انّ quot;جديدquot; الحرب الأمنية الإرهابية هو محاولة تصدير ما يجري في العراق إلى لبنان، أي quot;عرقنة لبنانquot; عبر الوسائل الإرهابية المعتمدة في بلاد الرافدين. فبين جريمة عين علق التي استهدفت المواطنين الأبرياء في تنقّلاتهم، وبين التفجيرَين الإرهابيَّين في شرق بيروت وغربها، وبين تفليت عصابة quot;فتح الإسلامquot;، يحاول نظام الأسد أن يقول انّ في وسعه حتى لو أقرّت المحكمة أن يخرّب لبنان كما يخرّب في العراق، وهو من يردّد باستمرار انّ الولايات المتحدة والمجتمع الدولي اضطرا للتفاوض معه quot;حولquot; العراق بنتيجة دوره التخريبي هناك.
وإذا كان راسخاً في ذهن اللبنانيين انّ quot;النموذج العراقيquot; يتعلّق بالفتنة المذهبية السنّية ـ الشيعية، فلا بدّ أن يكون واضحاً انّ إرهاب نظام الأسد quot;يضربquot; أولاً ثم ينتظر التداعيات، وهو الذي تنقّل بين مجموعة محاولات فتنوية سنّية ـ شيعية وسنّية ـ سنّية وسنّية ـ مسيحيّة.


ضرب الـ1701 معادلةً وثنائية
ما تقدّم يهدفُ إلى القول: هذا هو المخطّط الإرهابي للنظام السوري، وهو مكشوف.
بيد انّ كثيرين في لبنان، لا ينتبهون الآن ربمّا إلى نتيجة quot;سياسيةquot; يريدُ نظام الأسد الوصول إليها.
انّ الحرب الأمنية الإرهابية التي يشنّها النظام السوري، تهدف إلى ضرب القرار الدولي رقم 1701. كيف؟
من المعروف تماماً انّ القرار 1701 يقوم على معادلة واضحة، هي التواجد المشترك للجيش اللبناني وقوّات quot;اليونيفيلquot; المعزّزة في الجنوب حتى الحدود. وعندما يُفرّغ الجنوب من الجيش بسبب اضطراره للانتشار في مناطق لبنانية عدّة لدواعي حفظ الأمن الأهلي، الأمر الذي يضطرّه إلى سحب وحداتٍ قتالية من المنطقة الجنوبية، تختلّ المعادلة التي ينهضُ القرار 1701 عليها، وتهتزّ الثنائية التي بات الجنوب في عهدتها.
وإذا اختلّت المعادلة واهتزّت الثنائية، تكون النتيجة أذية سياسية كبيرة للمجتمع الدولي في أكثر المواقع اللبنانية حساسية من جهة وأذية لـquot;النموذجquot; الذي يعتبره المجتمع الدولي، الأنجح والذي يُفترض أن يكون نجاحُه للتعميم في غير مكان من المنطقة من جهة أخرى. وهل ينسى أحد انّ أبواق نظام الأسد لم تتردّد في إعلان انّ الضحية الأولى لإقرار المحكمة الدولية تحت الفصل السابع في مجلس الأمن ستكون قوّات quot;اليونيفيلquot;؟.
المواجهة طويلة النفس
تلك إذاً الصورة quot;الواقعيةquot; للمخطّط التخريبي المعتمد من قبل النظام السوري. فما هي الإستنتاجات من كلّ ذلك؟.
بديهي انّ الإستنتاج الأول من كلّ ما سبق ذكره، هو ضرورة اعتبار انّ الحرب قائمة ومفتوحة على لبنان. وإذا كان صحيحاً تماماً انّ إنتهاء مجلس الأمن من إقرار المحكمة الدولية سيشكّل إنجازاً كبيراً quot;يصعقquot; نظام الأسد وأتباعه، فالصحيح أيضاً انّ مواجهة هذه الحرب محكومة بأن تكون طويلة النفس، لا كلل ولا ملل فيها.. وممنوعٌ التعب.


لا حكومة وحدة وطنية
أما الإستنتاج الثاني في ضوء التطورات سواء ما يتعلق بالمحكمة في مجلس الأمن أو بالحرب الإرهابية المفتوحة على لبنان، على خلفية المحكمة، وفي ضوء مواقف quot;التحالف السوريquot; مما يسمى quot;المعارضةquot; التي برّأت نظام بشار الأسد وفتحت معركة ضد الحكومة والقوى الأمنية لحساب ذلك النظام وبما يفيد عصابة quot;فتح الاسلامquot;، فهو أن لا مجال للقبول بالطرح المستعاد لما يسمى quot;حكومة وحدة وطنيةquot; التي لا أساس سياسياً لها. لكن ثمة مجالين: أما ان يعود الوزراء المستقيلون الى الحكومة، وإما أن يأتوا الى تسوية سياسية متكاملة تمهد للاستحقاق الرئاسي ولحكومة جديدة بعدَه.
التفاوض اللبناني ـ الفلسطيني حول كلّ ملفات العلاقة
على صعيد آخر، فإن الاستنتاج الثالث يتعلّق بما أبرزته أحداث الأيام الماضية في مخيّم نهر البارد على الصعيد الفلسطيني.
في هذا المجال، يجب الاعتراف بأنّ ما صدر من مواقف عن السلطة الوطنية الفلسطينية ورئيسها محمود عباس وعن منظمة التحرير الفلسطينية وعن الحكومة الفلسطينية ومن الفصيلَين الرئيسيين quot;فتحquot; وquot;حماسquot; كانَ غاية في الأهمية تبرّؤاً من quot;فتح الاسلامquot; ورفعاً للغطاء عنها وتنسيباً لها الى الارهاب، ودعماً للشرعية اللبنانية ومساندةً للجيش وتأكيداً على المصلحة الفلسطينية shy; اللبنانية المشتركة، والتزاماً بخطة تعزل العصابة الإرهابية لإنهائها.
بيدَ انّ العلاقة اللبنانية shy; الفلسطينية ينبغي أن تتطور، لتتيح معالجة إشكالات ومشكلات مزمنة.. أي انّ الأمر لا يتعلق بـquot;لحظةquot; ينجدُ فيها أخ أخاه. آن الأوان لفتح كلّ ملفات العلاقة، أي آن الأوان لتفاوض لبناني shy; فلسطيني، لمفاوضات بين الشرعيتين اللبنانية والفلسطينية.
فهذه العلاقة بحاجة الى قرار مشترك كبير، قرار بالتفاوض بينَ الرئيس أبو مازن والحكومة الفلسطينية برئاسة إسماعيل هنية ومنظمة التحرير من جهة والحكومة اللبنانية من جهة أخرى. التفاوض حول مقتضيات الدعم الفلسطيني لسيادة لبنان ودولته، وحول مقتضيات دعم لبنان لقضية الاستقلال والحرية الفلسطينيين ولحقوق الكتلة الفلسطينية في لبنان، تأسيساً لعلاقة بينَ دولتين وشعبين، وحلاً لمسألة السلاح quot;الفلسطيني حقاًquot;، وكلّ ذلك بما يحقق مصالحة تاريخية لبنانية shy; فلسطينية، عنوانها السيادة للدولة اللبنانية على كلّ أرضها ومساعدة فلسطينية عملية للدولة وجيشها وعنوانها الآخر مساندة لبنان لفلسطين ودولتها المستقلة وحقّ اللاجئين في العودة منعاً لتوطينهم في دول اللجوء.


الحضور العربي الى جانب الحكومة
وإذا كان الاستنتاج الثالث هو ضرورة حصول مفاوضات لبنانية shy; فلسطينية بين الشرعيّتين، فإنّ الاستنتاج الرابع ينطلقُ مِن انّ ما يحصل في لبنان قضيّة عربية بامتياز. ذلك انّ إغراق لبنان في الإرهاب المصنّع من قِبل النظام السوري، أمرٌ يعني التضامن العربي والأمن القومي العربي... ومصالح النظام العربي. وما يقوم به نظام الأسد في لبنان يشكّل تحدّياً لمقررات القمة العربية الأخيرة مجسّدة في quot;إعلان الرياضquot;، في وقت يعدُ هذا النظام بأخذ المنطقة الى القمة المقبلة في دمشق، وهي quot;مضرّجةquot; بالدماء والفتن.
من هنا، فإنّ quot;الحضورquot; العربي وعلى مستوى عالٍ في لبنان هذه الأيّام، ضروري جداً، الى جانب حكومة لبنان الشرعية، أي تأكيد الموقف العربي الداعم للحكومة الشرعية، وإفهام نظام الأسد انّه بحربه الإرهابية على لبنان انما يعتدي على الأمن العربي برمته.


المساعدة الدولية على الحدود ولتسليح الجيش
والآن، ما هو الاستنتاج الخامس؟
انّه متشكّل من مجموعة من العناصر. ولا شك انّ أولّها هو انّ الحدود والمعابر بين لبنان وسوريّا تشكّل جسر عبور للإرهاب والإرهابيين الى البلد. ورئيس النظام السوري قال في أحد الأيام انّ quot;طولquot; الحدود مع لبنان يسمحُ بالتسللات الارهابية ما يجعل لبنان مقراً مرجحاً لـquot;القاعدةquot;، لكنه عاد وأمرَ بإغلاق الحدود الشمالية لدى اندلاع المواجهة مع quot;فتح الإسلامquot;.
لا بدّ من مساعدة الجيش اللبناني على ضبط الحدود والمعابر ومراقبتها. ولا بد من مساعدة دولية. وهذه المساعدة منصوص عنها في القرار 1701.
أما العنصر الثاني، فهو انّ ثمة تعهداً دولياً بموجب القرار 1701 بدعم الجيش تسليحاً وعلى المستوى اللوجستي، وهذا التعهّد يجب أن ينفّذ، ومِن موازنة quot;اليونيفيلquot; إذا اقتضى الأمر.
أما العنصر الثالث، فهو انّ المجتمع الدولي الذي يدعم لبنان كما لم يدعمه من قبل، معني بمتابعة تطبيق القرارات التي أصدرها لا سيما القراران 1559 و1701، وأن يلحظ في مجال متابعة التطبيق المعوقات والثُغر وأن يتخذ بشأنها القرارات الضرورية. وإذا كان واضحاً انّ quot;اليونيفيلquot; تنفذ قراراً يقضي بحماية لبنان من إسرائيل، وبحماية أمنه الوطني ومساندة جيشه، فواضح أيضاً ان على الدولة الإنتباه إلى حقيقة ان إستفراد الإرهاب بالجيش هو تمهيد لإستفراد الإرهاب بـquot;اليونيفيلquot;، ما يعني ان ثمة علاقةً بين quot;الأمن الوطنيquot;، وأجهزته وquot;الأمن الدوليquot; ممثلاً بقوات الطوارئ الدولية.
غايةُ القول ان الدولة، مع حكومة الاستقلال الحالية، معنية إزاء الحرب الإرهابية التي يشنّها النظام السوري، بإطلاق ورشة على الصعد اللبنانية والعربية والدولية. ولعلّ قرارات مجلس الوزراء في جلسته أول من أمس تفيد انّ الورشة انطلقت.