الدكتور عزيز صدقي رئيس وزراء مصر الأسبق :

الرئيس قال لي عام 82 يا دكتور عزيز عاوز ترجع؟ فرفضت
النظام الاقتصادي يعمل لصالح الأغنياء فقط ويحارب الفقراء
نصحت الرئيس مبارك بضرورة التفكير بشكل جدي في إصلاح الأمور
مصر مريضة بنوع من الفساد لم يحدث لها في التاريخ
نحتاج إلي ثورة لكني لا أحبذ أسلوب العنف والانقلابات الدموية
أطالب بتشكيل حكومة وحدة وطنية من مختلف التيارات السياسية
سياستنا الاقتصادية يحددها صندوق النقد الدولي وهو سبب خراب القطاع العام


القاهرة - فاطمة زكريا ومحمد العدس

عزيز صدقي رئيس وزراء مصر الاسبق وأحد السياسيين الكبار خلال الحقبة الناصرية وبدايات عصر أنور السادات تطلق عليه الصحافة ابو الصناعة المصرية وذلك لدوره الكبير في تعميم سياسة التصنيع وإنشاء المصانع الاستراتيجية الكبري عندما كان وزيراً للصناعة في الستينيات صمت د. عزيز طويلاً خلال أكثر من 25 عاماً لكنه قرر ان يتكلم الان فجاءت أحاديثه الصحفية والتليفزيونية خلال العامين الماضيين لتكون بمثابة الصدمة والنقد العنيف الذي يوجه مباشرة لصدر النظام السياسي المصري من هنا كان لقاؤنا به وحوارنا معه علي امتداد أكثر من ثلاث ساعات لنسمع رأيه في تفاصيل وحيثيات الدور المصري في الوقت الراهن في المنطقة العربية وروشتته حقيقية للاصلاح المالي والسياسي ومواجهة الفساد.

بداية .. كيف تري الوضع الآن في مصر بعد التعديلات الدستورية الاخيرة؟

- أولاً دور مصر ليس مرتبطاً بالتعديلات الدستورية الاخيرة فمصر في مكانها منذ 7 آلاف سنة تم احتلالها من كافة الامبراطوريات في العالم بداية من الفراعنة والاغريق ووصولاً للانجليز لكن كل هؤلاء زالوا وتبقي مصر والان نحن في مرحلة صعبة من مراحل التاريخ فالمنطقة أصبحت مطمعاً لدول كبري في العالم وأعيد احتلال وتخريب العديد من دولها مصر كانت وستظل في مكانها وبوضعها وامكانياتها وهنا تأتي مكانة مصر القائدة في المنطقة العربية ليس فقط لان عدد وصل الي سكانها 76 مليون نسمة بما يعادل ثلث الامة العربية ولكن لدورها الثقافي والسياسي والتنويري خلال عشرات السنين.. ومن هنا فإن دورها ومستقبلها تحكمه إمكانياتها وأيضاً مستوي القيادة الموجودة بها فعندما تكون القيادة علي مستوي المسئولية تأخذ مصر حقها الطبيعي.. وللاسف الشديد فمجموعة الحكم الموجودة الان غير قادرة علي فهم التحدي الذي يواجه الامة العربية ومصر تحديداً في هذا التوقيت فالحكومة فشلت في ان تلعب دوراً اجتماعياً أو سياسياً مؤثراً لذا اندلعت الاضطرابات العمالية في كل أنحاء مصر..

وأذكر عندما كلفت بتشكيل الوزارة فقد أتيت بالشيخ عبدالحليم محمود شيخ مشايخ الطرق الصوفية واسماعيل صبري وفؤاد مرسي من الشيوعيين وعبدالعزيز حجازي وزكي هاشم حتي تكون بها كل التيارات.. لكن للاسف كل هذا الكلام لا يجد صدي عند الحزب الوطني الحاكم في مصر وتشكيلة رجال الاعمال الموجودين علي سطح الحياة السياسية في مصر لا يسعون الا الي الربح فقط والاحتكار ولا يهمهم من محدودي الدخل؟ لان الدولة لم توجه أنظارهم لذلك وصدرت كل القرارات الاقتصادية في صالحهم ليس هذا فقط فالحقيقة ان مصر تسير بضغط من صندوق النقد الدولي وتنفذ سياسته لانه وضع شروطاً بعد حرب أكتوبر وقال اذا كنتم تريدون المساعدة لا يوجد شيء اسمه قطاع عام فأمريكا تفرض النظام ولذلك فشل السادات لانه فتحها علي البحري.

والغريب انه عندما اقول هذه الحقائق فإنني اصبح في نظر الاخرين معاديا للنظام فهل أكذب من أجل إرضاء النظام علي حساب مصلحة مصر الا أني أؤمن بما أقوله خاصة وأني قمت بإنجازات علي الارض تتكلم عن نفسها ومازلت أحذر بأن مصر الان تمر بمنحدر شديد الخطورة لقد تراجعنا الي درجة شديدة وسلمنا بالامر الواقع فالسعودية الان تقود المنطقة.

هل لديك روشتة للاصلاح وكيف تري وضع الاقتصاد المصري الحالي؟

- الاصلاح يبدأ من القضاء علي الفساد فالمجتمع المصري مليء بالجراثيم والميكروبات ومافيا الفساد تحكم مصر ولكي نعالج ونضع الروشتة الصحيحة لابد ان نحلل المجتمع ونحدد مرضه بالضبط فمصر مريضة بنوع من الفساد لم يحدث لها في التاريخ وعندما أقول هذا الكلام أعرف أنه سيغضب النظام ولكن هي الحقيقة ولذا فإن ضعف القيادة عن القيام بهذا الدور أدي الي الانحدار والتراجع. ولاشك ان مصر تمر بفترة عصيبة سببها نوع من سوء الفهم او عدم الثقة بين الحاكم والمحكومين وأنا رجل صريح لم أعارض من أجل المعارضة ولكن أتكلم بصراحة لأقرر واقعاً مؤلماً مثل الطبيب الذي يسأل المريض عن آلامه ليشخص مرضه ولذلك عندما نتحدث عن دور مصر فعلينا ان نشخص الحالة.

وأتذكر قول الرئيس السادات عندما قال ان الشعب المصري تعب ولابد من الانفتاح لانه كان يملك القدرات لتنفيذ ما يشاء فاليوم ميزانية مصر بها عجز 68 مليار جنيه والمديونية التي أعلنت من قبل بلغت 614 مليار والسؤال أين اختفت هذه الاموال وأتذكر عندما كنت رئيساً لوزراء مصر أعطيت أولوية كاملة لمعركة أكتوبر 73 حيث نجحنا ان نضع خطة استراتيجية لتوفير مخزون استراتيجي لمدة 4 أشهر لانه كان من المتوقع ان يتم حصارنا فوضعنا هذه الخطة لكي تسير الحياة بطبيعتها فيما ان العالم كله ما زال يدرس التجربة المصرية خلال حرب أكتوبر المجيد.. إذن فإنه بإمكانيات مصر اعتمدنا علي أنفسنا و نجحنا وأثبتنا ان مصر قادرة علي ان تحقق الاهداف التي تريدها اذا خلصت النوايا وأقول هذا ليس بهدف المدح أو المهاجمة.. فمصر سوف تفرض نفسها وستسترد حقها لتصبح في المكان الذي تستحقه الا ان النظام الحالي ليس قادراً علي هذا.

إذن أنت تطالب بإقصاء المفسدين؟

- بكل تأكيد يجب ان تكون هناك عملية جريئة لاقصاء المفسدين ولكني أضع التشخيص وعلي المسئول ان يختار طريقه واذا أحسن الشعب الاختيار سنكسب لان عملية الاصلاح التي تستهدفها تصاحبها عملية البناء والمسئول عن هذا ليس الحاكم بل الشعب و الضامن الحقيقي لهذا الديمقراطية.. وقد نصحت الرئيس مبارك ونبهته الي الخطر الذي يحدق بمصر من كل جهة وطالبته بضرورة التفكير بشكل جدي في إصلاح الامور كما ان هناك أحزاباً وحاكماً وحكومة ولابد ان يكون بينهم حوار مفتوح لانه هو الطريق والسبيل الوحيد للوصول الي اتفاق.

هل تتوقع حدوث تغيير في مصر بأي أسلوب؟

- أنا أطالب ولا أتوقع أطالب النظام ان يخضع لرأي الشعب الذي يطالب بالتغيير بل أطالب بحكومة وحدة وطنية إضافة الي ان البرلمان مزور وأنا شاهد علي ذلك لانني حضرت الانتخابات فالوطني يقول انه حصل علي الاغلبية ومن حقه ان يحكم وهذا كذب فالشعب المصري لا يطلب من الرئيس مبارك الا أن يسمعه.

هل تري ان مصر بحاجة الي فلسفة حكم جديدة؟

- طبعاً، فالذي يحدث اليوم غير طبيعي بالمرة وقد رأيت اطفالاً يأكلون من صناديق القمامة.

هل تري ان مصر تتجه للتوريث؟

- الحقيقة ان مبارك بتعديله المادة 76 من الدستور المصري قام بتحويل النظام السياسي لمصر من النظام الجمهوري الي الملكية وذلك حتي يضمن وصول ابنه للحكم وللعلم عندما اعطاني الرئيس مبارك القلادة عام 82 قال لي يا دكتور عزيز quot;عاوز ترجع quot; فرفضت حتي لا يقول احد ان هجومي علي النظام من اجل العودة للسلطة او الاضواء.

هل تري ان مصر بحاجة الي ثورة؟

- اولاً الناس تعبت ولو نزلنا للشارع وسألنا اي مواطن مصري عن احواله سنجده مكتئباً سواء من غلاء الاسعار او البطالة او ازمة المسكن او طوابير العيش او التأمين الصحي فبكل تأكيد مصر بحاجة الي ثورة، لكني لا احبذ اسلوب العنف ولا افضل الانقلابات الدموية، لكن لو هناك تغير سلمي وتداول سلمي للسلطة فكان هذا افضل في المرحلة الحالية من عمر مصر.

من وجهة نظرك ما نهاية تجاهل النظام لاراء القوي الوطنية المعارضة في مصر؟

- اولاً فيما يخص التعديلات الدستورية واقتراحات المعارضة حولها فقد تم عرضها علي مجلس الشعب والشوري وتمت الموافقة عليها بالصورة التي يريدها النظام فمن الواجب علي الحكومة ان تستمع للشعب.. وبهذا الوضع سوف يستمر تحدي الحكومة للشعب ويتصاعد التوتر فيما ان حكمة التاريخ علمتنا ان المعركة بين الحاكم والشعب من الممكن ان تستمر عشر سنوات او اكثر ولكن في النهاية ينتصر الشعب والتاريخ هو الذي يتحدث عن هذا وليس عزيز صدقي.

من وجهة نظرك هل تري ان ترزية القوانين السبب الرئيسي في افساد الحياة السياسية في مصر؟

- ما يقال بان هناك مجموعة افسدت ومجموعة اصلحت في هذا النظام غير صحيح لان التعديلات الدستورية جاءت لارضاء الحاكم.. اما الاخطر من ترزية القوانين فهم رجال الاعمال المستفيدون من بقاء الوضع هكذا عندما صدر التقرير الخاص باصحاب المليارات في العالم كان من بين القائمة اكثر من عشرة مصريين وكانت عائلة ساويرس من اغني العائلات في العالم وانا اتساءل quot; هي مصر غنية للدرجة ديquot; فمن الممكن ان يكون هناك اصحاب مليارات في بلاد البترول لكن في بلد يوجد من بين شعبها اناس تأكل اكياس الزبالة فهذا شيء غير منطقي فكيف يسمح النظام بتضخم ثروة هؤلاء في هذا البلد الفقير.. ولذا فأنا احترم عائلة ساويرس لان الخطأ ليس فيها ولكن في النظام الاقتصادي الذي يعمل لصالح الاغنياء فقط ويحارب الفقراء.

هل انتماؤك للجبهة الوطنية للتغيير يعني انك معارض لسياسة النظام المصري الحالي؟

- نشاطي في الحقل السياسي حالياً وانتمائي لاحد الجبهات المعارضة الجبهة الوطنية للتغيير لا يعني اني معارض لاحد، بل اسعي لعمل شيء في مصلحة مصر.

فعندما يطالب بأن يتم اختيار رئيس الجمهورية بالانتخاب.. فهذا ليس معناه انني ضد الرئيس مبارك بشكل شخصي.. والجبهة تهدف الي تغيير الفساد والاستبداد والفقر فهل تغير مصر او تركها هكذا.