عبد الرحمن الراشد

عشرات الوسطاء الدوليين مروا من هنا ولم يعودوا، رحلوا وبقيت القضية اكثر دماء وتعقيدا. فلماذا يظن توني بلير انه سينجح في ما فشل فيه كل الآخرين؟بلير، مثل كل الساسة البريطانيين، يعرف تفاصيل قضايا المنطقة جيدا، ويعرف طبيعة انظمتها السياسية، ويعرف ساستها بأسمائهم الاولى، ويعرف استحالة حل القضية، مما يجعلني أظن انه يريد الخروج من دواننغ ستريت بمهمة يشغل بها الاعلام اكثر مما يحلم بالنجاح فيها. أما إن كان صادقا في سعيه، فلعله يظن انه قادر على حل العقدة الفلسطينية ـ الاسرائيلية كما افلح في حل نزاع شمال ايرلندا وكانت وقتها مهمة مستحيلة في نظر كثيرين، وهي الاقدم في نزاعها من النزاعالفلسطيني ـ الاسرائيلي بربع قرن.

ألا يوجدُ أمل في ان يكون هذا الحيوان السياسي الذكيهو مفتاح القضية الاولى في العالم فيفك إقفالها؟ ربما هو ساحر من سحرة الرواية البريطانية laquo;هاري بوترraquo;.

اشك في ذلك كثيرا لأسباب موضوعية؛ اولها ان بلير نفسه لم يعد في السلطة، وفقد فور مغادرته دواننغ ستريت لمسته السحرية. وثانيها، ان بلير لا يملك ثقلا وثقة بالمنطقة يؤهلانه للتوسط نيابة عن الرباعية، خاصة ان المنطقة عرفته فقط منالمشروع العراقي الفاشل. وثالثها، ان القضية لم تعد فلسطينية ـ اسرائيلية كما كانت في الماضي، بل توسعت دوائرها فصارت ايرانية وسورية إضافة إلى laquo;القاعدةraquo;، معدوائر محلية في الدول العربية، مثل الحركات الاصولية السياسية في مصر وغيرها.

ورغم علامات فشل مبكر لممثل الرباعية الجديد، يظل الباب مفتوحاً لبلير لأسباب؛ اولها انه متفرغ للمهنة. وثانيها انه يملك دافعا قويا هو النجاح في فلسطين لتعويض فشله فيالعراق. وثالثها، توجد اطراف مستفيدة من تحقيق النجاح بقدر ما توجد اطراف مستفيدة من تخريب الحل الفلسطيني لأغراضها. دوافع المخربة مثل ايرانهو فرض برنامجها النووي، وسوريةهمها منع المحكمة الدولية، وحماس من اجل وجودها. أما المستفيدون؛ وأولهم الولايات المتحدةفقد اقتنعتبأن حل مشاكلها المتعددة يمر عبر القدس، والأنظمة العربية المرهقة تريد تخفيف ضغط البخار الداخلي، والسلطة الفلسطينية صارت بلا وقت إضافي للمناورة، وهكذا.

إن اراد بلير ان يختصر الوقت، لان ساعة الرمل بقيت فيها عملياً سنة واحدة تقريبا على الانتخابات الاميركية حيث تتعطل لغة الكلام، فان فرصته تكمن في المبادرة العربية لأنها ستختصر عليه خمسين سنة من المحاولات. انها بتوقيع عشرين دولة عربية وبوعود صريحة تلبي المطلب الرئيسي، الأرض مقابل السلام.

على بلير ان يُفهِمَ الاسرائيليين، الذين ظلوا يرفضون المبادرة العربية منذ ان أعلنتها السعودية وأقرتها قمتا بيروت والرياض، بأنهم أمام خيارات قليلة، إما المبادرة وإما المقاتلة في صراعات لن تنتهي مع حزب الله وحماس والفصائل التي تتوالد في كل مكان حولها. لو قبلتها اسرائيل، فان الحلَّ يصبح ممكناً وفي وقت قياسي، وإن رفضتها فعلى بلير ان يحزم حقائبه.

[email protected]