سعد محيو


ثمة شريط إعلاني جهز مؤخراً في بيروت ونال فوراً استقبالاً حماسياً له دلالات كبرى من كل اللبنانيين.

الشريط يصور العلاقة بين المواطنين والجنود اللبنانيين بصورة معكوسة: بدل أن يؤدي الجنود التحية العسكرية للمواطنين، يقوم هؤلاء بالنزول من سياراتهم إلى الطرقات العامة ليؤدوا التحية العسكرية للجنود.

شريط إعلاني ذكي بالفعل، وهو حشد التأييد للجيش اللبناني، الذي يخوض معارك ضارية الآن مع التطرف الأصولي في كل من مخيم نهر البارد الفلسطيني ومدينة طرابلس. لكن الأهم هو ما أثاره الشريط من أصداء قوية بين معظم فئات الشعب اللبناني، مما يدل على أنه ضرب على وتر وطني حساس، برغم الانقسامات السياسية الحادة هذه الأيام في بلاد الأرز.

هذا التطور، إضافة إلى التضحيات البشرية الجسام التي يقدمها الجيش الآن في المعارك الراهنة، أعاد طرح سؤال قديم عمره أكثر من 40 سنة (إبان عهد الرئيس فؤاد شهاب): هل ldquo;الجيش هو الحلrdquo; مخرج معقول أو ممكن للبنان من أزماته الطائفية والمذهبية القاتلة؟

الكثيرون في لبنان يرون (أو يريدون أن يروا) ذلك. فالجيش في النهاية هو المؤسسة الرسمية الوحيدة التي تعمل على صهر مكونات الشعب اللبناني في بوتقة واحدة. وهو أيضاً الإطار الوحيد الذي يسقط فيه ضحايا يمكن اعتبارهم بحق شهداء الوطن لا شهداء الطائفة او المذهب. وفوق هذا وذاك، الجيش اللبناني، كما كل جيوش العالم، هو الحصن الأول للحداثة والتطور بحكم ارتباطه الوثيق بتقنيات العصر ونظرياته.

هذه العوامل تؤهل الجيش كي يكون هو الحل. والآن يجب أن يضاف إلى كل ذلك معمودية دم الجيش في المعارك الأخيرة، والتي حولته بين ليلة وضحاها من قوات عسكرية بالاسم، إلى وحدات مقاتلة بالفعل.

لكن مهلاً، كل هذه التحليلات تبقى في إطار التمنيات أو التفكير الرغائبي، ما لم تقترن فكرة ldquo;الجيش هو الحلrdquo; بمشروع سياسي وطني شامل. لماذا؟ لأن اعتراض أي طائفة، مهما صغرت، على دور الجيش، قد يؤدي إلى انقسامه، أو على الأقل إلى شلله، كما حدث خلال الحرب الأهلية 1975- 1989.

سيناريو ldquo;الجيش هو الحلrdquo;، إذا ما أريد له التحقق، يمكن ان يسير على النحو الافتراصي الآتي:

يلتئم شمل كل قادة الطوائف في مؤتمر حوار جديد، يتقرر فيه الطلب من المؤسسة العسكربة تسلم زمام السلطة السياسية لإخراج البلاد من المأزق ومن مخاطر الحرب الأهلية.

يوافق الجيش على هذا الطلب، بشرط منحه صلاحيات طارئة وإطلاق يده في فرض الأمن في كل أنحاء البلاد، وفي إعادة تشكيل الحياة السياسية اللبنانية.

تحيي المؤسسة العسكرية المشروع الشهابي السياسي والإنمائي من النقطة التي انتهى إليها مع رحيل الرئيس شهاب، خاصة منها إقامة نظام الأحزاب الثلاثة اليمين واليسار والوسط، وبناء دولة المؤسسات، والتركيز على التنمية المتوازنة خاصة في الأرياف.

هل هذا السيناريو مجرد حلم جميل؟

أجل، بالتأكيد. لكن، ألا يحق للبنانيين على الأقل أن يحلموا، ولو للحظة، فيما هم يعيشون آلام الكابوس بكل تفاصيله؟ أدّوا التحية للجندي اللبناني.