هناك سمة مهمة في القفزة التي قفزتها فرنسا بعودتها إلى الوطنية الاقتصادية، لم تلفت انتباهاً كافياً بعد. أتوقع ظهور توترات سياسية خطيرة داخل منطقة اليورو، خصوصاً بين فرنسا وألمانيا. وينبغي على المرء أن يتذكر أن اليورو لم يكن ليوجد اليوم لو لم تحل هاتان الدولتان خلال التسعينيات خلافاتهما الفلسفية حول الإدارة السليمة للسياسة المالية والنقدية. ويمكن أن تكون هذه الخلافات القديمة على وشك الاندلاع مرة أخرى.
فولفجانج مونشو - الفايننشال تايمز
ولتلقوا نظرة فقط لما يحصل في برلين وباريس. ففي هذا الأسبوع، سيوافق مجلس الوزراء الألماني على قانون ميزانية 2008 وسيقدم خطة مالية متوسطة جديدة. وتشير التقارير الإخبارية إلى خططها لخفض حاجة الحكومة الفيدرالية إلى الاقتراض في العام 2008 لتصل إلى 12.5 مليار يورو (17 مليار دولار) بفضل المكاسب الضريبية الضخمة، أي نحو نصف ما كان مخططاً في السابق. فألمانيا جادة بشأن تخفيض العجز كما كانت إدارة كلينتون عام 1993.
أما فرنسا فإنها تمشي في الطريق المعاكس. وبالفعل، لا نعلم بعد جميع تفاصيل البرنامج الاقتصادي للرئيس نيكولا ساركوزي. لكننا نعلم أنه لم يكن في ذهنه ميزانية متوازنة عندما وعد بـ quot;صدمة ماليةquot;. وبدلاً من ذلك، يخطط لزيادة غير محددة في العجز، ربما تكون أعلى من السقف الذي وضعته معاهدة ماسترخت عند 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ويعود ذلك جزئياً لرغبته في رشوة المعارضة ونيل موافقتها على الإصلاحات التي ينوي القيام بها وتخفيف أثر المعارضة.
لكن ليس من الواضح تماماً ما إذا سيكون لإصلاحات ساركوزي أثر كبير. ويمكن للحكومة أن تجادل بصورة مشروعة بأنه ينبغي لها أن تكون قادرة على زيادة العجز لتطبيق الإصلاحات الاقتصادية التي تهدف إلى زيادة الناتج المحتمل. وكل ما نعرفه هو أن الإدارة الجديدة على استعداد لتطبيق التخفيضات الضريبية التي ستزيد العجز وأنها لم تعد ملتزمة بهدف معاهدة الاستقرار والنمو المنقحة للقضاء على العجز الهيكلي على المدى المتوسط.
وفي عام 2006، وهو العام الذي كان فيه الانتعاش في منطقة اليورو يجري على قدم وساق، كان عجز الميزانية في فرنسا 2.5 في المائة، مقارنة بالعجز في ألمانيا البالغ 1.7 في المائة. ولا يعتبر هذا الفرق كبيراً، لكن من المحتمل أن تزيد الفجوة جوهرياً على مدى السنوات الثلاث المقبلة في إطار الخطط الحالية للميزانية. وفي سيناريو افتراضي للنكسة الاقتصادية اللاحقة، ستكون ألمانيا بالتأكيد قادرة على إبقاء العجز فيها دون 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، في حين قد تتجه فرنسا إلى رقم أعلى فعلياً. ورغم أن معاهدة الاستقرار والنمو المعدلة أكثر مرونة من النسخة الأصلية، فلا المفوضية الأوروبية ولا ألمانيا ستقبلان بانحراف في مثل هذا المستوى. والأسوأ من ذلك، أنه في ظل مثل هذا الظرف الافتراضي، ربما يبدأ السياسيون والاقتصاديون الألمان بالتساؤل حول ما إذا كان الاتحاد النقدي مع فرنسا لا يزال في صالح ألمانيا اقتصادياً. وهذا لم يحصل حتى الآن بسبب تحرك الوضع المالي في فرنسا وألمانيا بشكل متواز جداً خلال السنوات الثماني الأولى لليورو.
ومصدر الخلاف الآخر فهو تهديد ساركوزي المتكرر بسياسة مشتركة لتخفيض سعر صرف اليورو في الخارج. وأفترض أن استراتيجية سعر صرف جديدة هي ما يفكر به ساركوزي لدى تخطيطه لطرح نسخته الخاصة من التعاون الاقتصادي الأكبر داخل منطقة اليورو خلال اجتماع وزراء مالية منطقة اليورو ECOFIN في بروكسيل. وأنا غير متأكد كيف ستستجيب أنجيلا ميريكل، المستشارة الألمانية. لكن عندما هاجم ساركوزي البنك المركزي الأوروبي خلال حملته الانتخابية، قامت ميريكل على الفور بزيارة إلى فرانكفورت لإظهار التزامها باستقلالية البنك المركزي وهدف استقرار الأسعار.
ويتألف انتقاد ساركوزي من عنصرين، العنصر الأول هو أنه يجب أن يكون السياسيون، وليس مسؤولو البنوك المركزية، مسؤولين عن سياسة سعر الصرف، كما هو الحال في الولايات المتحدة ومعظم البلدان الأخرى، من بينها ألمانيا قبل عام 1999. أما العنصر الثاني فهو أن سعر صرف اليورو ينبغي أن يدار بشكل فعال كي يكون تنافسياً، وبكلمات أخرى، أن يبقى تقديره بشكل مدروس فوق عتبة معينة. وأشك في أن تكون ميريكل ومستشاروها الاقتصاديون متحمسين لأي من هذا.
إن ظهور الخلاف الفرنسي - الألماني القديم مرة أخرى حول إدارة السياسة الاقتصادية سيعيد بلا شك تركيز النقاش حول استدامة اليورو على المدى الطويل. وهناك بالفعل اضطرابات مهمة في النظام. وقد وضع نورييل روبيني، أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة نيويورك، قائمة بتلك الاختلافات: quot;الصدمات غير المتماثلة، وفقاعات الأصول الناتجة عن سياسة نقدية مشتركة، والقيود الصارمة في سوق العمل، ونقص التعديل في أسعار الصرف الحقيقية، والدور المحدود للتأمين ضد المخاطر عبر القنوات المالية، وعدم تقاسم المخاطر عن طريق السياسات المالية الاتحاديةquot;. وهي الاختلافات الأكثر أهمية، إلى جانب الإصلاحات الهيكلية غير الكافية.
ووجد مايك ويكينز، أستاذ الاقتصاد في جامعة يورك، أن هناك ميلاً ثابتاً في منطقة اليورو لاختلاف مستويات الأسعار على المستوى الوطني، ويعود ذلك جزئياً إلى المشاكل التي تم ذكرها. وعلى المدى الطويل، فإن هذا سيشير إلى أن الاتحاد النقدي ليس مستداماً. وربما تساعد التحويلات المالية، والتعديل الحقيقي المحسن، وتقاسم المخاطر، والتأمين ضد المخاطر على تجاوز هذه المشكلة، لكنها جميعها تتطلب إجماعاً سياسياً غير موجود في الوقت الحالي. وفي الحقيقة، فإن وطنية ساركوزي الاقتصادية أكثر احتمالاً لأن تزيد الاختلافات داخل منطقة اليورو، وأن تجعلها أكثر استمراراً، وربما حتى تعرض قابلية الاتحاد النقدي للنمو للخطر على المدى الطويل.
- آخر تحديث :
التعليقات