سركيس نعوم

بات واضحاً لمعظم متعاطي الشأن العام في الولايات المتحدة ولاسيما في الادارة الجمهورية والكونغرس الديموقراطي ان الخطة العسكرية ndash; الامنية التي بدأت تنفيذها في بغداد ومحيطها منذ مدة قوات اميركية اضافية ارسلت الى العراق (نحو 28 الف جندي) بمشاركة قوات عراقية لم تحقق النجاح المطلوب او انها بعبارة واحدة لم quot;تعملquot;. وذلك يعني ان القائد العسكري الكبير الذي يقود القوات الاميركية في العراق والذي يشرف على تنفيذ الخطة المذكورة لن تكون لديه اخبار جيدة يبلغها الى اعضاء الكونغرس في ايلول المقبل اي في الموعد الذي اتفق عليه بين البيت الابيض والكونغرس بعد مشاحنات طويلة يعرفها الاميركيون والمعنيون بالوضع العراقي في المنطقة والعالم. ويعني ايضاً انه قد يطلب من الكونغرس مزيدا من الوقت لانجاز الخطة quot;الجديدةquot;، علما انه وكبار ضباطه بدأوا التمهيد لذلك بتصريحات اشارت اكثر من مرة الى ان الحرب على الارهابيين في العراق تحتاج الى وقت طويل. وبات واضحاً ايضا ان الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي اخفقت حتى الآن في اقرار الخطوات السياسية البالغة الاهمية لكل مكونات الشعب العراقي والتي اتفقت وادارة الرئيس جورج بوش على ضرورتها بل على الحاحها بغية جعل غالبية العراقيين معنية فعلاً لا قولا بدعم الحكومة ومساعدتها في كل المجالات. ويعني ذلك ان موقف الرئيس الاميركي سيزداد ضعفاً في مواجهة الكونغرس المعارض له الذي لا بد أن يعود الى التحرك بفاعلية للضغط عليه بغية quot;اقناعهquot; بتغيير خططه العراقية او على الاقل بتعديلها وخصوصاً بدء انسحاب الجيوش الاميركية من العراق. ويبدو من مراقبة الوضع في واشنطن ان هذا التحرك الذي كان يفترض ان يبدأ في ايلول اي بعد الاستماع الى تقرير العسكر الاميركي في العراق عن خطة بغداد قد يقترب موعده كثيراً وخصوصا بعدما بدأ كبار من الجمهوريين في الكونغرس الانضمام في شكل او في آخر الى الغالبية الجمهورية في الاصرار على الانسحاب من العراق لتعذر الانتصار ولتلافي الخسائر البشرية وربما الهزيمة الكاملة.
ماذا يفعل الرئيس جورج بوش في ضوء كل ذلك؟
متابعو اوضاعه وادارته عن قرب وكذلك اوضاع اخصامه ومعارضيه لا يستطيعون ان يقدروا منذ الآن ردود فعله والخطوات التي قد يقدم عليها مع تأكيدهم انه ليس من الاشخاص الذين يستسلمون بسهولة، لكنهم يشيرون الى الانباء التي تضمنتها اخيراً صحف اميركية جدية واشارت الى احتمال ملاقاة الرئيس الاميركي معارضيه في الكونغرس والحملة الشرسة التي يعدون على سياسته العراقية وربما عليه شخصيا في منتصف الطريق وذلك بابدائه الاستعداد للبحث منذ الآن في طريقة لتقليص الوجود العسكري الاميركي في العراق، علما ان قريبين من ادارته وعاملين فيها حاولوا قبل يومين التقليل من اهمية هذه الانباء موحين بعدم جديتها او على الاقل بعدم ورودها في ذهنه على الاقل حتى الآن.
لكن اياً تكن الضغوط، يلفت هؤلاء المتابعون الى ان بوش يمكن ان يتخذ قرارا بالمواجهة حتى النهاية ايا تكن العواقب. ويمكن ان يتخذ قرارا بالمساومة للتوصل الى تسوية (Compromise) على تحديد موعد قريب لخفض عديد الجيش الاميركي في العراق ولكن من دون التزام موعد انجاز الانسحاب وجعله شاملاً، لان ذلك مستحيل محافظة على مصالح اميركا وحلفائها في المنطقة. وفي الحالين يكون الرئيس الاميركي quot;ورّطquot; الذين يعارضونه اليوم اي الحزب الديموقراطي في الموضوع العراقي وحملهم مسؤولية انهائه. ذلك ان الانسحاب التام لن يتم في عهد بوش بل في عهد الرئيس الذي سيخلفه في العشرين من كانون الثاني 2009 والذي ترجح كل استطلاعات الرأي انه سيكون ديموقراطياً. وفي حال كهذه لا يستطيع بوش الا يحرك ساكناً في العراق وإن قبل بدء خفض جنوده منه لان الاوضاع سيئة هناك وستزداد سوءا ولان عليه واجب العمل لادارة هذه الحرب غير القابلة للربح على نحو يحول دون الهزيمة مع ما يرافق ذلك من quot;شرشحة وبهدلةquot;. طبعاً، قد تتحسن اوضاع بوش العراقية اذا نجحت محاولات الحوار بين واشنطن وطهران اولا حول العراق وربما لاحقاً حول القضايا الاخرى المختلف عليها. لكن اذا كان مصير هذه المحاولات الفشل فان بوش وادارته سيكونان امام امور عدة. اولها، تغيير في الاستراتيجيا والتكتيك والتحول نحو دعم الاقلية العربية السنية في العراق بكل الوسائل الامر الذي يؤدي الى احتواء الغالبية العربية الشيعية وحليفها الايراني. وقد بدأ ذلك بدعم زعماء القبائل السنية للوقوف في وجه quot;القاعدةquot; والذين على شاكلتها. طبعاً، لا يحب هؤلاء الاميركيين لكنهم لا يريدون في حال انسحاب اميركي مفاجىء ومهزوم ان تتحول مناطقهم ساحة صراع بين الاصوليين التكفيريين السنة الوافدين الى العراق من كل أقصاع العالم الاسلامي وبين الشيعة العراقيين لان ذلك قد يقضي عليهم. وثاني الامور، الانسحاب الى الشمال الكردي والكويت والى مناطق سنة العراق. ومن شأن ذلك المساعدة في الاحتواء البري للخطر الايراني على العراق وعلى الخليج ايضاً. وفي هذا المجال يلفت المتابعون الاميركيون انفسهم لادارة بوش ومعارضيها الى امر مهم هو تعيين ضابط بحري كبير على رأس القيادة الاقليمية وضابط بحري كبير آخر رئيساً لاركان الجيوش الاميركية. واهمية ذلك تكمن في ان البحرية الاميركية عارضت دائماً احتلال العراق وتكمن ايضا في ان حلقة القيادات العليا في الدفاع خلت تقريباً من انصار الوزير السابق دونالد رامسفيلد. ومن شأن هذين التعيينين جعل السياسة الاميركية اسهل تنفيذاً سواء قضت بضرب ايران او باحتوائها.


[email protected]