كلير شورت ـ إندبندنت


على الأقل لدينا الآن رئيس وزراء جديد. إنه شخصية مختلفة كل الاختلاف عن توني بلير. فجوردون براون أكثر مهارة وأكثر اهتماماً بالتفاصيل ويتميز بالفكر الإستراتيجي. كل هذه صفات مبشرة، ولكن من الخطأ أن يتوقع المرء تغيرا جذريا في التوجه. فبلير وبراون قاما معا بإنشاء حزب العمل الجديد ولديهما التزام بمركزية السلطة بشكل كبير للغاية.

فشأن بلير، يعتبر براون هو الآخر من أشد الموالين لحلف الأطلسي. قدر كبير من سياسته الاقتصادية مستنسخ من سياسات الديمقراطيين الجدد التي أرساها بيل كلينتون. براون معجب بشدة بالتحالف مع الولايات المتحدة ويعتبر الارتباط بها مصدر إلهام له.

وعلى الرغم من إدمانه لمركزية السلطة بشكل عجيب، إلا أنني مقتنعة بأن جوردون ينوي بشكل حقيقي أن يغير من نفسه ويكون أكثر ميلا لاستشارة الآخرين. فهو يفكر كثيرا في السبب الذي يقف وراء تآكل الثقة في السياسيين وفي مؤسساتنا السياسية ويريد أن يغير هذا الأمر.

على صعيد السياسات المحلية، سيكون من السهل أن يرسي دعائم بداية جديدة عن طريق التخلص من الإجراءات البيروقراطية والاختبارات المفرطة التي يتعرض لها الطلبة في المدارس. وقد يلجأ أيضاً إلى تقليص تكاليف نظام استخراج بطاقة الهوية الشخصية.

غير أن براون يعلم جيدا أن السبب الأكبر وراء فقدان الثقة هو أسلوب الخداع الذي اتبعه بلير كي يدفع البلد بأكمله إلى أتون حرب في العراق وما ترتب عليها من حالة متصاعدة من الدمار في الشرق الأوسط.

لم يستشر بلير براون في الفترة التي سبقت حرب العراق. فحينها، كان بلير ينحي براون جانبا. لقد كان براون يدعوني بشكل متكرر إلى احتساء القهوة معه عقب الاجتماعات الوزارية. وكنا نحن الاثنين غير سعيدين بالمرة.

فأنا كانت لدي هواجسي المرتبطة بحرب العراق وكان هو متخما بأعباء الرسوم الحكومية المتزايدة وأحوال المستشفيات. لم يكن يتحدث إلا قليلا عن الحرب في العراق ولكنه قال أكثر من مرة إنه لن يقبل بأي وظيفة أقل من وظيفة مستشار.

ولكن حينها وكما كان يحدث غالبا عندما يكون بلير في مأزق، فإنه كان يجري الاستعانة بجوردون من أجل إسداء المساعدة.

وفيما أضحى بلير مثقلا بشكل أكبر بالأعباء، كان جون بريسكوت هو الذي يعد التصورات وكان براون هو من يساعد بلير في إدارة أزمة عدم وجود قرار ثان من الأمم المتحدة يسمح بالحرب ضد العراق وذلك عن طريق تبني إستراتيجية تقوم على إلقاء اللوم على الفرنسيين.

فقد كانا يروجان بقوة لكون الرئيس الفرنسي وقتها جاك شيراك قد قال إنه سيستخدم حق الفيتو ضد أي قرار ثان تريد الأمم المتحدة إصداره حول العراق.

وقد تسبب هذا الأمر بالإضافة إلى المشورة القانونية المضللة التي تقدم بها المدعي العام البريطاني، في دفع الكثير من أعضاء البرلمان من حزب العمل إلى التصويت لمصلحة الحرب بعد أن كانوا لا يريدون التصويت.

ولذا سيكون من الصواب القول إن براون لم يكن طرفا في خطط بلير للحرب في العراق، وإنما تدخل لمساعدته عندما كان رئيس الوزراء السابق في مشكلة، ولم يعرب عن اعتراضه بعد ذلك.

بوسعنا أن نتأكد من أنه سيفكر ملياً فيما يمكن أن يتم على صعيد حرب العراق. فأنا لن أفاجأ إذا أعلن براون قريبا للغاية ما يريده الجيش حيال حرب العراق، وهو سحب معظم قواتنا هناك.

كما أنني أعتقد أنه من الممكن أن يعلن تحقيقا على غرار التحقيق الذي أقامته تاتشر بشأن حرب الفوكلاند من أجل استيعاب دروس الماضي. ولكنني أخشى من حقيقة أنه له ميول أطلسية شديدة ستمنعه من إجراء أي تغير جذري في سياستنا في الشرق الأوسط.

ما ينبغي لبراون أن يفعله هو أن يحرك السياسة الخارجية البريطانية بعيدا عن هوسها بالعلاقة الخاصة بالغرب إلى التزام بالبحث عن شركاء في نظام متعدد الأطراف قادر على تقوية دور الأمم المتحدة وعلى التوصل إلى سلام في الشرق الأوسط وعلى التوصل إلى اتفاقات تجارية تساعد الفقراء.

كما ينبغي لبريطانيا تغيير وجهة تركيزها العسكري إلى دعم جهود الأمم المتحدة لحفظ السلام في صراعات مثل تلك التي تجري في دارفور والكونغو.

سياستنا الخارجية يجب أن تتركز على بناء عالم أكثر اتزانا قادر على التوصل إلى اتفاقات بشأن التغير المناخي وبشأن التهديدات التي تواجه الثروة السمكية والغابات وانتشار ظاهرة التصحر والتشتت الذي يعاني منه ملايين البشر.

كل هذه القضايا ليست سهلة على الإطلاق، ولكن من دون حدوث تغيير فإننا سنكون مقبلين على مزيد من الكوارث وبحور الدم. أتمنى أن أكون مخطئة في استنتاجاتي وأن أرى رئيس وزرائنا الجديد وهو يبدأ في إيجاد دور جديد لبريطانيا. أخشى بدلا من ذلك أن يظل ملتزما بالعلاقة الخاصة بالغرب ويكتفي بمجرد تلميحات إلى حدوث تغير في الاتجاه.

ترجمة: حاتم حسين.