افتتاحية - واشنطن بوست
في الأيام الأخيرة، قدم وزير الأمن القومي الأميركي مايكل تشيرتوف نقطة جيدة: وهي أن أي شخص يتابع الأخبار لا يجب أن يتفاجأ بالاستنتاج الذي توصلت اليه وكالات الاستخبارات الاميركية من أن القاعدة تصبح أقوى بشكل مطرد، وأن تهديدها بتنفيذ هجوم كبير آخر ضد الولايات المتحدة في عقر دارها هو تهديد جدي. ولعل حقيقة أن القاعدة قد أسست لها ملاذاً في المناطق القبلية الباكستانية، وهو ما شخصه تقويم الاستخبارات القومية على انه من عداد quot;العناصر الرئيسيةquot; التي ساهمت في اعادة بعث قدرتها الهجومية، تظل حقيقة معروفة ومحل بحث منذ العام الماضي.. كما أن quot;الرافعةquot; التي قدمتها المنظمة التابعة والمتنامية في العراق تظل واضحة كل الوضوح.. ويقول السيد تشيرتوف ان ما تفتقده واشنطن ليس المعلومات عن القاعدة، وإنما الجاهزية لاتخاذ قرارات مهمة حول كيفية حماية الولايات المتحدة.
يمتلك وزير الامن القومي بعض الخيارات التي يود من الكونغرس أن يتخذها، بما في ذلك إجراء تعديلات على دخول الولايات المتحدة بدون تأشيرة، وتركيب معدات تقنية تتيح المجال امام تصوير ادق للمسافرين عن طريق الجو. ولا شك في أن النقاط التي يثيرها مهمة، وسوف نعود إلى بحثها لاحقاً. ومع ذلك، وإذا كان هناك قرار واحد يبدو اتخاذه اكثر الحاحاً على ضوء تقارير الاستخبارات، فإنه يتعلق بما ينبغي فعله إزاء قاعدة quot;القاعدةquot; في الباكستان، والتي تسمح للقيادة العليا للمنظمة بالتنسيق مع من يدعوهم تقويم الاستخبارات القومية quot;الضباط العملياتيونquot;، كما وبتدريب المليشيات على تنفيذ العمليات في أوروبا والولايات المتحدة.
لقد دأبت ادارة بوش على إخفاء هذه المشكلة الحساسة لوقت طويل جداً، وعلى الرغم من الدرس الواضح المستقى من افغانستان. وكانت لجنة 11 ايلول - سبتمبر قد خلصت الى ان التسامح مع وجود ملاذ القاعدة هناك كان quot;ذا قيمة مباشرة وغير مباشرة.... فيما يتعلق بتحضيرات القاعدة لشن هجمات 11/9.quot; وقالت اللجنة إن على الحكومة الاميركية العمل على تقويض وإبطال عمل هذه القواعد في المستقبل.. quot;باستخدام كل مكونات القوة القوميةquot;.. وكان كبار مسؤولي الإدارة قد اعترفوا علانية منذ اوائل هذه السنة بأن هناك ملاذاً للقاعدة في الباكستان، لكنهم تمسكوا بعناد باستراتيجية التعويل على رئيس الباكستان الاوتوقراطي الجنرال برفيز مشرف لاتخاذ ذلك الاجراء الإجهاضي، حتى بينما ينتهج السيد مشرف سياسة مخالفة، والتي تقوم على استرضاء رجال القبائل الباكستانيين الذين يوفرون الملاذ الآمن للقاعدة وطالبان.
يقول مسؤولون في الإدارة إنهم يعتقدون بأن السيد مشرف سيستأنف العمليات العسكرية في المناطق القبلية بعد تعليقها لمدة 10 اشهر، حتى لو كان ذلك فقط لأن المليشيات خرقت الهدنة مؤخراً وهاجمت القوات الحكومية. لكن عمليات سابقة نفذها الجيش الباكستاني فشلت، وقد تكون القوات الحكومية ضعيفة جداً لدرجة لا تقوى معها على تدمير ذلك الملاذ.. كما أن السيد مشرف نفسه يظل مشغول البال أصلاً في أمر الحفاظ على نظامه الخاص. ولو عرضت عليه المليشيات سلاماً منفصلاً، فإن من الممكن جداً أن يقبله.
من جهتها تقول الادارة ان لديها استراتيجية شاملة تشتمل على تقديم 750 مليون دولار على مدى خمس سنوات تقدم لتمويل برامج تنموية لصالح المناطق القبلية الفقيرة، ولتعزيز قدرات القوات الباكستانية التي تسيّر دوريات على الحدود الأمامية مع أفغانستان. وتقول وزارة الخارجية انها تضغط ايضاً من اجل إجراء انتخابات ديمقراطية في الباكستان هذه السنة، ولو أنها تجاهلت استعدادات السيد مشرف الواضحة للتلاعب في العملية. ولو أنها كانت لتركز فعلاً على التنمية الاقتصادية والديمقراطية بدلاً من دعم الجنرال المترنح، لكان بإمكان الولايات المتحدة ان تسهم في اضفاء الاستقرار، خلال فترة تمتد لسنوات، على واحدة من أكثر مناطق العالم جموحاً.
ومع ذلك، فإن مثل هذا لن يعالج التهديد الوشيك الناجم عن وجود منظمة قاعدة منبعثة، وقادرة على ضرب الولايات المتحدة من قاعدة آمنة. وإذا ما كانت القوات الباكستانية غير قادرة، أو أنها لن تستأصل شأفة ذلك الملاذ، فإن على الرئيس بوش الأمر بتوجيه ضربات مستهدفة، او القيام بعمليات سرية بواسطة القوات الاميركية كما سبق وان فعل عدة مرات في السنوات الاخيرة. لكن مثل تلك العمليات قد تنطوي على خطر تعريض الباكستان لمزيد من زعزعة استقراره. بيد انه يجب تقويم تلك المخاطر في مقابل تبعات أي هجوم آخر واسع النطاق ربما يتم شنه على التراب الاميركي.
كانت لجنة 11 ايلول -سبتمبر قد لاحظت أن quot;التدخل المباشر ضد ملاذ القاعدة في افغانستان لا بد وأنه بدا ظاهرياً على أنه.... غير متناسب مع حجم التهديدquot;. ويجب على الولايات المتحدة أن لا تكرر نفس ذلك السوء المأساوي في الحكم على الموقف.
التعليقات