د. عصام نعمان


يبدو أن جورج دبليو بوش اتخذ قراره. لم ينتظر تقرير قائد قواته في العراق الجنرال ديفيد بترايوس وسفيره في بغداد ريان كروكر المزمع تقديمه منتصفَ الشهر الجاري. أعلن بوضوح أن لا انسحاب أمريكياً وشيكاً من العراق الذي وصفه بأنه ldquo;الخط الأول لأمن الولايات المتحدة ولمواجهة إيرانrdquo;. هل يعتزم بوش مواجهة إيران فعلاً؟ نعم، سيفعل ذلك وأكثر. فقد شن هجوماً سياسياً كاسحاً على طهران أمام اتحاد قدامى المحاربين، وُصف بأنه أشبه بقرع طبول الحرب، مطالباً حكومتها بما يشبه الإنذار بأن ldquo;تتوقف على الفورrdquo; عن دعم المتمردين الذين يستهدفون قوات الاحتلال في العراق.

ما سرّ هذه الفورة البوشية المفاجئة؟

الرئيس الأمريكي لم يترك لأحد فرصةً للتكهن والتخمين. أفصح في خطابه عن أسباب فورته وغاية حملته غير المسبوقة على إيران. الأسباب ثلاثة:

إيران، في رأيه، ldquo;نظام إرهابي يدعم جميع الفصائل الإرهابية في المنطقةrdquo; من ldquo;حزب الله في لبنان الذي يقوّض الحكومة الديمقراطيةrdquo; إلى حركتي ldquo;حماسrdquo; و ldquo;الجهاد الإسلاميrdquo; اللتين ldquo;تهددان أمن إسرائيلrdquo; إلى ldquo;طالبانrdquo; في أفغانستان التي تهدد أمن الحلف الأطلسي.

لأن انهزام أمريكا في إيران، ldquo;البلد الأكثر استراتيجية في العالم سيعني لها اننا ضعفاء، وسيؤدي إلى نجاحها في امتلاك أسلحة نووية والى حصول محرقة نووية وسيطرتها على مصادر الطاقة في المنطقةrdquo;.

لأن ldquo;أمن العالم برمته وأمن الولايات المتحدة تحديداً، سيتأثر بشكل حاسم بالأوضاع في العراقrdquo;، مستنتجاً ان ldquo;مستقبل العالم الحرّ سيُحدد في الشرق الأوسط الذي يتوسطه العراقrdquo;.

ماذا تراها تكون غاية بوش في ضوء هذه الأسباب؟

الرئيس الأمريكي كان صريحاً، مرة أخرى، في تحديد غايته. إنها القضاء على ldquo;وجه الشيطانrdquo; الذي بات له، في رأيه، جناحان: احدهما إسلامي سنّي يجسّده تنظيم ldquo;القاعدةrdquo;، والآخر شيعي إيراني هو ldquo;قلب الإرهابrdquo; في الشرق الأوسط.

القضاء على ldquo;وجه الشيطانrdquo; يبدو، في كلام بوش، مهمة مستعجلة. فهو يعلن، بصراحة، ldquo;إننا سنقضي على هذا الخطر قبل فوات الأوانrdquo;. لماذا العجلة؟ الجواب: قبل أن تمتلك إيران أسلحة نووية وتسيطر على مصادر الطاقة في المنطقة، وrdquo;كي لا نضطر إلى مقاتلتهم هنا في أرضناrdquo;، ويعني بهم المتطرفين السنّة من جماعة ldquo;القاعدةrdquo; والمتطرفين الشيعة من جماعة إيران الذين ldquo;يدربهم حزب اللهrdquo;، على حدّ زعمه.

هكذا تبدو المنطقة، حسب خطاب بوش، منقسمة إلى معسكرين: الأول تقوده الولايات المتحدة ويضمّ حلفاءها الأطلسيين، إلى جانب حكومات المعتدلين العرب وفي مقدمهم حكومتا محمود عباس في فلسطين وفؤاد السنيورة في لبنان. الثاني تقوده إيران ويضمّ سوريا إلى جانب تنظيم ldquo;القاعدةrdquo; الناشط في المنطقة، وحركتي ldquo;حماسrdquo; و ldquo;الجهاد الإسلاميrdquo; الناشطتين في فلسطين، وحزب الله الفاعل في لبنان والذي يتولى، بحسب مزاعم بوش، تدريب ldquo;المتمردينrdquo; من متطرفي الشيعة والسنّة الذين يقاومون قوات الاحتلال في العراق.

ماذا يقصد بوش ب ldquo;القضاء على وجه الشيطانrdquo;؟ هل يعني شنّ الحرب على إيران في محاولة لتدميرها وإسقاط نظامها الإسلامي؟

من الواضح ان الرئيس الأمريكي جدّد في خطابه الأخير خيار الحرب وإن لم يحدد فترة زمنية لمباشرته. ثم ان تحديد إيران كمصدر للخطر على أمن الولايات المتحدة ومصالحها بل على أمن العالم الحرّ ( الغرب) لا يعني بالضرورة استهداف إيران تحديداً في هذه المرحلة. إذ إن استهداف إيران قد يبدأ باستهداف حلفائها بقصد إضعافها بضربهم قبل التركيز عليها في نهاية المطاف.

لنظرية ldquo;إضعاف إيران أولاًrdquo; أنصار كثر في إدارة بوش. زعيم هؤلاء هو واضع هذه النظرية نائب الرئيس ديك تشيني. فهو يعتبر إضعاف إيران شرطاً لخروج أمريكا بشكل لائق من العراق. ثم ان للنظرية ldquo;محاسنrdquo; أخرى تتعلق بأمن ldquo;إسرائيلrdquo;، إذ يؤدي ضرب حلفاء إيران، كسوريا وrdquo;حماسrdquo; وحزب الله، ناهيك بتنظيم ldquo;القاعدةrdquo;، إلى إزاحة إيران عن حدودٍ جغرافية واستراتيجية، ملاصقة ل ldquo;إسرائيلrdquo; ومهددة لأمنها، في تقدير تشيني وأنصاره، وذلك من خلال تحالفها مع هؤلاء وتزويدهم أقوى أنواع الأسلحة والصواريخ الإيرانية وأكثرها فعالية وأبعدها مدى. فوق ذلك، فإن ضرب حلفاء إيران في سوريا ولبنان وغزة يؤدي إلى دعم حلفاء أمريكا وrdquo;إسرائيلrdquo; في تلك البلدان وربما إلى إنقاذ حكومتي عباس والسنيورة وإضعاف نظام بشار الأسد.

لا يغيب عن ذهن المراقبين والمحللين أيضا أن ل ldquo;إسرائيلrdquo; مصلحة استراتيجية عليا في ضرب حلفاء إيران الذين وفّروا لها حدوداً أمنية معها. فالكيان الصهيوني يعاني من سيطرة ldquo;حماسrdquo; على قطاع غزة وتصعيدها عمليات المقاومة على المستوطنات المجاورة للقطاع، مع احتمال نقلها إلى العمق. كما أن ldquo;إسرائيلrdquo; لم تتمكن بعد من الإفاقة من صدمة اندحارها أمام حزب الله في ldquo;حرب لبنان الثانيةrdquo; العام الماضي. إلى ذلك، فإن ldquo;إسرائيلrdquo; تتوجس خيفةً من تقدّم البرنامج النووي الإيراني واحتمال نجاح إيران في تصنيع أسلحة نووية في المستقبل المنظور. لذلك تضغط ldquo;إسرائيلrdquo;، كما اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، لحمل إدارة بوش على استكمال ldquo;معروفهاrdquo; في حماية أمنها بضرب إيران بعدما استجابت لها باحتلال العراق.

يتحصّل من مجمل هذا التحليل أن ضرب حلفاء إيران في هذه الآونة احتمال قائم وجدّي ويجب التحسب له. وليس من المستبعد، في هذا المنظور، أن تشنّ ldquo;إسرائيلrdquo; الحرب على سوريا (وعلى المقاومة في لبنان) خلال أشهر الخريف القادم. فهل تفعل؟ وما عساه يكون رد سوريا وحلفائها وفي مقدمهم إيران؟

لا تتوقع إيران، على ما يبدو، هجوماً أمريكياً عليها في هذه الآونة. محمود احمدي نجاد يجزم بأن ذلك ldquo;مستحيلrdquo;، لأن واشنطن تواجه ldquo;ما يكفيهاrdquo; من الخسائر والمشاكل في العراق وأفغانستان. بل هو يتوقع النقيض: أن ينهار الاحتلال الأمريكي في العراق، ما يؤدي إلى حصول ldquo;فراغ قوةrdquo;، قال إن إيران مستعدة لملئه بالتعاون مع السعودية ! لكن، هل يستبعد الرئيس الإيراني هجوماً ldquo;إسرائيلياًrdquo; قريباً على سوريا؟ أرى أن الوقت لن يطول قبل أن تباشر طهران تحذير واشنطن من مغبة دفع ldquo;إسرائيلrdquo; إلى إشعال حريق في المنطقة، وتحذير الكيان الصهيوني من العواقب المميتة لفعلته الإجرامية المرتقبة.

في هذه الأثناء، سيباشر المحللون الاستراتيجيون بيان توقعاتهم حول ما يمكن أن تفعله ldquo;إسرائيلrdquo; وما يمكن أن تردّ به عليها سوريا وحزب الله وrdquo;حماسrdquo;.

لعل ldquo;إسرائيلrdquo; ستحاول أن تفعل بسوريا ما فعلته أمريكا بالعراق في حرب العام 1991: تدمير بنيتها التحتية وقاعدتها الصناعية وسويتها العمرانية لإعادتها عشر سنوات أو عشرين سنة إلى الوراء، فلا تعود قادرةً على تصنيع أسلحة دمار شامل، أو على تشكيل خطر عسكري استراتيجي ضد ldquo;إسرائيلrdquo;.

في غمرة الهجوم الجوي والصاروخي على سوريا، قد تلجأ ldquo;إسرائيلrdquo; إلى اقتحام وادي البقاع الجنوبي اللبناني بالمدرعات والمشاة بقصد الوصول إلى طريق بيروت دمشق لتطويق جنوب سوريا. هذا الاعتداء السافر على لبنان سيؤدي بالضرورة إلى اشتباك القوات ldquo;الإسرائيليةrdquo; الغازية مع المقاومة اللبنانية في وادي البقاع ومن ثم على امتداد الأراضي اللبنانية.

سوريا ستردّ، بطبيعة الحال، بقصف ldquo;إسرائيلrdquo; بعشرات آلاف الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى، ولعلها ستتمكن أيضا من صدّ غارات السلاح الجوي ldquo;الإسرائيليrdquo; باستعمال المضادات المتقدمة التي زودتها بها إيران وروسيا. ومن المنتظر أيضاً أن تنجح سوريا، بالتعاون مع مجاهدي المقاومة اللبنانية، في دحر الهجوم ldquo;الإسرائيليrdquo; عبر وادي البقاع الجنوبي، كما في دحر هجوم الدبابات ldquo;الإسرائيليةrdquo; عبر منطقة الجولان. غير ان ابرز النجاحات السورية المتوقعة هي إلحاق تدمير وأذى شديدين بالمجتمع العمراني في وسط ldquo;إسرائيلrdquo; حيث الكثافة السكانية والصناعية.

ماذا عن ردة فعل إيران؟

ثمة رأيان في هذا المجال. الأول يستبعد تدخلها لثقتها بأن ما وفرته لسوريا ول ldquo;حماسrdquo; وحزب الله من الصواريخ والمضادات الجوية والمضادات للدروع، بالإضافة إلى ما يمتلكه هؤلاء جميعاً من قدرات، لاسيما سلاح المغاوير والاستشهاديين، كافٍ لدحر ldquo;إسرائيلrdquo; من دون تدخل مباشر من إيران. الثاني، لا يستبعد تدخل إيران بصورة مباشرة لعلمها أن تمكّن العدو من سوريا وحزب الله وrdquo;حماسrdquo;، في حال غيابها عن المعركة، سيؤدي حتما إلى استفرادها لاحقاً، وربما إلى إضعافها ودحرها، بينما قيام ايران بتهديد العدو باعتزامها التدخل إذا ما شنّ الحرب يشكّل ردّاً رادعاً ومؤثراً وقد يحمله تاليا على صرف النظر عن شنها.

المسألة، باختصار، هي حجم الرادع العسكري الذي تمتلكه إيران وسوريا وحلفاؤهما ومدى فعاليته في الظروف الراهنة عموما وضمن موازين القوى السائدة خصوصا. لقد استهانت أمريكا وrdquo;إسرائيلrdquo; بالمقاومة اللبنانية وبفعالية رادعها القتالي البري النوعي والصاروخي المتقدم فكانت النتيجة اندحار ldquo;إسرائيلrdquo; اللافت في حربها الثانية على لبنان العامَ الماضي.

ترى، هل يكرر بوش واولمرت، هذه السنة، خطأهما بل جريمتهما الفاجرة، على الرغم من كل ما جرى؟