أحمد البغدادي

لبنان بلد الجمال والعجائب. بلد الحريات والطائفية, بلد يقدم كل جديد وظريف في عالم الكتب والسياسة! وها هم اللبنانيون الآن quot;ما أزينهمquot; وهم بلا رئيس. فالناس يتزلَّجون على ثلوج بكفيا, والسياسيون يقضون جل وقتهم في ممارسة تُعرف بلعبة تعديل الدستور، ورئيس البرلمان يقفل البرلمان ويأخذ مفتاحه للبيت, وينفذ برنامج quot;خليك بالبيتquot;, ويصبح البرلمان مثل محل الحلاقة لا يفتح إلا حسب رغبة الحلاق, أو دكان بقالة, ورئيس الدولة السابق غادر قصر بعبدا بكل احترام وquot;خلى القرعة ترعىquot;، على رأي المثل الشعبي, والمجلس النيابي مشغول بنفسه, ولا تجد لك مكاناً في الطائرات المتجهة إلى لبنان, والفنادق quot;مليانةquot; على الآخر بالزبائن، والملاهي الليلية شغالة على quot;قدم وساقquot; في فترة الأعياد المسلمة والمسيحية, فما أن انتهوا من عيد الأضحى حتى حل عليهم quot;الكريسماسquot;, ثم عيد رأس السنة الميلادية، الذي نربح من ورائه كمسلمين عطلة يوم بلا عمل مدفوع الأجر, وكأننا نشتغل كل يوم!! وكل هذه quot;الوناسةquot; والدولة بلا رئيس! فلم تتوقف الحياة، ولم تتوقف بيروت عن حب الحياة.

ولبنان ليس حالة فريدة في مسألة غياب quot;الرأسquot; عن العمل, بمعنى أن اللبنانيين اكتشفوا متعة الحياة بلا رئيس, وهي لا تختلف في حال وجوده (مع الاحترام لكل الرؤساء العرب واللبنانيين). وفي الخليج تصبح البيروقراطية الحكومية quot;عال العالquot; ومن أحسن ما يكون حين quot;يهاجرquot; الموظفون مكاتبهم في العطلة الصيفية, حيث ترتفع كفاءة العمل, ويتم إنجاز المعاملات بصورة أسرع، ويخف ازدحام الشوارع، وتصبح البلد أكثر اتساعاً. هذا مع العلم أن جميع، أو أغلب الوزراء والمسؤولين، مسافرون سفرة السلامة. وحالما يعود الجميع في سبتمبر تحل جميع المصائب دفعة واحدة, حيث تتعطل مصالح العباد, وتزدحم الشوارع, والـquot;مولاتquot; التجارية, ويتمنَّى الواحد منا لو يطول أمد الصيف أشهراً معدودات أخرى للتمتع بالحياة السهلة والرخوة والخالية من المنغِّصات اليومية وحوادث السيارات, وحيث ترتاح الأمهات من عذاب تدريس أولادهن.

بناء على ما سبق أقترح أن يرتاح المسؤولون الكبار (رؤساء العمل) بين فترة وأخرى، لالتقاط الأنفاس البيروقراطية, لربما يتحقق لدينا ما لدى لبنان من quot;استقرارquot; نفسي. وقد أثبتت التجارب الحياتية في عالم بني العربان, أن الحكومات العربية أحد الأسباب الرئيسية لتناقص سنوات العمر, حيث يبلغ معدل الحياة في البلدان العربية ما بين 65- 75, وذلك بفضل الأدوية الغربية, يعني لولا أدوية الغرب لامتلأت المقابر, ولولا إبرة الإنسولين الدانمركية, لقضى الكثيرون حياتهم بين الجلطات الدماغية, والعياذ بالله. ولكن من الممكن لو استخدمنا الدواء العربي الذي اقترحته, وأطالب بحق تسجيل براءة اختراعه, وهو تغييب المسؤولين (رؤساء العمل) العرب أسبوعين من كل شهر. وليس هناك أدنى شك في أن المرحلة العمرية لبني العربان سوف تطول تلقائياً, مع انخفاض الضغط ومعدلات السكر, وأمراض القلب, دعْ عنك السرطان، أعاذنا الله وإياكم منه, والذي بدأت أشك أنه بسبب البيروقراطية الحكومية, حيث تنفجر الخلايا دون أن ندري في أروقة الوزارات.

أنا كمواطن عربي بدأت أحسد اللبنانيين على النعيم الذي يعيشونه اليوم، باستثناء حقيقة مؤلمة أن عدد الفقراء قد ازداد, وهذا بسبب quot;حزب اللهquot;، وليس بسبب الحكومة اللبنانية الحلوة التي تجسد المثل العربي القائل quot;أسمع جعجعة, ولا أرى طحناًquot;, في حين أن أمة العربان تنطحن يومياً في أروقة المؤسسات الحكومية... ما رأيكم في هذا الاقتراح؟