يوسف الكويليت

أمريكا تتصرف بعقلية الدولة العظمى التي لا تؤمن إلا بمصالحها أولاً، وهذا منطق التاريخ مع الامبراطوريات والحكومات الكبرى، ويعتبر أمراً طبيعياً حين تكون الدساتير والقوانين في خدمة هذه القوة، لكن ما يوجب التأمل والحذرهو أن هناك دولاً وحكومات ورؤساءهما أو زعامات معارضة، كثيراً ما تورطوا في غايات الدولة العظمى..

وأحدث الخدع التي راحت ضحيتها بنازير بوتو، أن وجدت الأضواء في طريقها إلى وطنها خضراء وسالكة، نتيجة رؤية أمريكية تتلاقى أفكارها وأهدافها مع اتجاه بنازير، ولعل الوعود بوصولها إلى كرسي الرئاسة كان مبنياً على سيل من المعلومات التي وفرتها أجهزة رصدها، والتي غالباً ما تخطئ الحقائق على الأرض، وتدخل في نفق المخاطر..

فقد تم غزو العراق بناءً على حقائق كاذبة بوجود أسلحة دمار شامل، وضرب مصنع أدوية السودان، على أنه أحد منتجي الأسلحة الكيماوية، وذهب شاه إيران وزعيم فيتنام الجنوبية، وكثيرون في أفريقيا وأمريكا الجنوبية، ظلوا تحت المظلة الأمريكية، لكنهم فقدوا أرواحهم وكراسيّهم نتيجة الحقيقة الكاذبة، وحتى تنامي تيارات اليسار في أمريكا الجنوبية، جاء نتيجة السياسات الأمريكية الجائرة ، وكذلك الكراهية المنتشرة في العالم لا تتجه لشعب الدولة العظمى، وإنما لصانع قراراتها، ومنفذها..

آخر التورط جاء من خلال إعلان كيباكي رئيساً لكينيا مرة أخرى، وبانتخابات مباشرة قيل عنها الكثير، وتم ترجمتها إلى حالات شغب ضد الانتخابات ورئيسها مما ينذر بمخاطر هائلة لبلد يجتاحه الفساد والأمية والفقر..

آخر التورط جاء من خلال إعلان كيباكي رئيساً لكينيا مرة أخرى، وبانتخابات مباشرة قيل عنها الكثير، وتم ترجمتها إلى حالات شغب ضد الانتخابات ورئيسها مما ينذر بمخاطر هائلة لبلد يجتاحه الفساد والأمية والفقر..

هل أصبحت أمريكا في أي تدخل ما، وخاصة في العالم الثالث، مدعاة لاضطرابات قد تصل إلى حروب أهلية، ولماذا لا نجد هذه التهم تتعلق بدول مثل الصين أو أوروبا، وكيف تحول نجم الدولة التي تتجه لها الآمال بالحصول عى كرسي دراسي فيها، أو وظيفة تؤدي إلى الجنسية، أو حتى زيارة لمشاهدة معالم عظمتها، إنذارات مخيفة لإلصاق التهم، والملاحقة القانونية، وغير القانونية، وخاصة لدول العالم الإسلامي، ولماذا الأوروبي المتحالف روحياً وثقافياً، ومصالح متعددة، بدأ يحذر الصورة الأمريكية ومغامراتها؟

نعم تبقى أمريكا الدولة الأولى في كل شيء، فإذا اهتز اقتصادها، فإن العالم كله سيصاب بالكساد، والخسائر، وإذا تدنت وارداتها من دول العالم، فهذا يعني كارثة على منتجاتها، وإذا وقفت عن سداد حصتها في الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية الأخرى، فهو يعني تسريح العديد من الموظفين، وإيقاف الكثير من المعونات، وحتى المنجزات العلمية تبدأ منها وتنتهي إليها، وهذا التميز فرض أخلاقيات سياسة تعتمد القوة أكثر من التصرف الواعي، ولعل اعتمادها على المعلومة دون التدقيق فيها، وخاصة ما يتعلق بأحداث كوارث في بلد ما، أو على مجاميع سكانية، هو الذي تسبب في غياب العقل لمصلحة التعقل في التصرف..

في الوطن العربي، والعالم الإسلامي نحترم أمريكا، ونعرف تأثيرها على الكون كله، لكن الجوانب السلبية غلبت الإيجابية في كل تماسٍ سياسي أو أمني يتعلق بهما، ومن هنا نعتقد أن صناعة الأزمات بما فيها الإرهاب، والتدافع نحو ردات الفعل المضادة، لم يأتيا من فراغ، وإنما من حوافز تصرفاتها، حتى أن مقايضة إسرائيل بالوطن العربي كله تعد الصفقة الغريبة والخاسرة في المستقبل البعيد..