مصطفى احمد النعمان

تقفل وفاة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر صفحة من تاريخ اليمن الحديث، امتلأت بمواقف وطنية، وادوار سياسية، كما حفلت بخلافات عاصفة مع حكام النظامين الملكي والجمهوري. ولست هنا مؤرخا لحياة quot;الشيخquot;، اللقب الذي حمله، ولم ينتزعه منه أحد، ولن يستطيع أحد بعده أن ينوء بحمله. خلاصة جهدي هي ابداء الحزن الشديد على فقدان والد عزيز، وأخ كبير، وصديق وفي... ورغم أن quot;الشيخquot; لم يكن يرتاح لتوجهاتي السياسية، تحت تأثير من كانوا ينقلون اليه مواقف اتخذتها، أو أصدقاء اصطفيتهم، أو زملاء تعايشت معهم.. رغم ذلك، ظل quot;الشيخquot; يحمل في أعماقه وفاء لوالدي quot;الأستاذquot;، ذلك انه كان أشرف على تدريسه وأخيه quot;الشهيدquot; حميد، أثناء سجنهما في حجة في الأعوام التي تلت محاولة انقلاب1948م. وكان آخر لقاء جمعنا اثناء زيارة قمت بها الى منزله في صنعاء، وشرحت له ملابسات سوء الفهم الذي نشب بين الشيخ الزنداني وبيني حول قضية ليس هذا مجال الحديث عنها.

سيذكر التاريخ إن quot;الشيخquot; كان الرقم السياسي الوحيد الذي استطاع عبور كافة الأزمات التي مر بها، منذ سبتمبر 62م، وظل لاعبا في صدارة الساحة السياسية، مهما اختلف اللاعبون، والمخرجون.. كما أن quot;الشيخquot; لم يتنازل امام عاصفة واجهته، بل كان أشد بأسا، وكانت مخارجه جاهزة، في ظل محافظته على قيمه ومبادئه، التي نشأ عليها في كنف أسرة كريمة.

رغم تبدل الظروف السياسية، والحكام، بقي الشيخ ممسكا بالستارة التي لم تكن لترتفع أو تسدل، دون أن يكون له دور حاسم، في حياكة تفاصيلها، اختلفنا على صوابه أم اتفقنا. هكذا حدث مع الرئيس عبدالله السلال، الذي تحالف معه في بدايات النظام الجمهوري، ثم اختلفا في أسلوب الحكم وتحالفاته.. فسحب من تحته بساط الشرعية وأرسله الى خارج البلاد.

تكرر المشهد في 13 يونيو، فرفع رايات التأييد لانقلاب الرئيس ابراهيم الحمدي تحت مؤثرات أثبتت الأيام عدم صوابها، واعترف هو بفداحة ثمنها.. وتحمل نتائج ذلك الموقف الذي كلفه قيمة هي الأبهض في تاريخه في فترة ما بعد الجمهورية.. لكن quot;الشيخquot; ظل موجودا، وإن في الظل، منتظرا السانحة للعودة الى ملعبه المفضل، صدر المسرح السياسي.. وكانت السانحة التي التقطها، هي الفترة التي تلت مقتل الرئيس الحمدي ثم الرئيس الغشمي.. وهي مرحلة تطرق اليها في السطور التي رواها في كتابه الوحيد quot;مذكرات الشيخ عبدالله بن حسين الأحمرquot;.

في العهد الجمهوري الحالي الذي بدأ في يوليو 1978م، ظل quot;الشيخquot; وفيا للعهد الذي قطعه، بمساندة الرئيس علي عبدالله صالح، ولم يتخلف عن قضية مصيرية واحدة للنظام الحالي، وظل ثابتا على موقفه الشخصي والسياسي من الرئيس. لكن ثلاثين عاما من التحالفات وظهور أجيال جديدة في المؤسستين السياسية والعسكرية وبروز تناقضات في المصالح، كان لكل هذه العوامل قوة تأثير في إحداث جفوة لم تصل الى حد القطيعة. هكذا ظل quot;الشيخquot; الرجل الأقرب الى مؤسسة الدولة، عبر ترؤسه لمجلس النواب رغم تزعمه لأكبر حزب معارض بل وزاد أن أعلن تأييده لترشيح الرئيس علي عبدالله صالح، مناقضا موقف الحزب الرسمي في تأييد الاستاذ فيصل بن شملان.

غياب quot;الشيخquot;، لابد وأن يحدث قلقا بالغا الى جانب الحزن الشديد في الأوساط القبلية والرسمية.. فعلى صعيد قبيلة حاشد، ورغم أن زعامتها قد انتقلت بسهولة الى نجله الأكبر الأخ العزيز الشيخ صادق، إلا أن تماسك حاشد، سيكون أكثر صعوبة، لأن قيادات جديدة قد ظهرت في داخلها، وهو تطور طبيعي، متأثرين بانتشار التعليم، وتنامي المصالح التجارية، والارتباط بمؤسسة الدولة بعيدا عن أعين زعماء القبيلة.. وسيحتاج الشيخ صادق الى جهد مضاعف لإثبات مقدرته ومهارته في تحمل العبء الثقيل، كما سيحتاج الى تكاتف إخوانه جميعا حول زعامته، ومشيخه.. من الجانب الآخر، فإن الدور الذي كان يقوم به quot;الشيخquot; على امتداد الساحة السياسية، مدعوما بالموقعين القبلي والرسمي، سيكون على المحك، في ظل القيادة القبلية الجديدة.

كل ما أتمناه -وكل محب كذلك- هو أن تظل ذكرى quot;الشيخquot; حاضرة في أذهان اليمانيين، مترفعين عن كل سلبية شابتها، فهو ككل سياسي وقائد، عمل واجتهد، واخطأ وأصاب،، ولابد أنه سيظل الغائب الحاضر.

كل العزاء لأبنائه، ولي، ولكل اليمنيين.