زيّان
في quot;رثاء الأندلسquot; شدّني مجنون إلسا لويس اراغون، من حيث لا يدري طبعاً، الى quot;أندلسquot; هذا العصر التي يبكيها قادتها كالنساء، والتي يكاد العرب يضيّعونها كما ضيّعوا أندلس الأمس.
ومن حيث يعلمون بما يفعلون.
ومن حيث لا عائشة تؤنّب ابنها أبا عبدالله الصغير آخر أمراء بني الأحمر، وتعيّره لانه يبكي كالنساء مُلكا لم يعرف كيف يحافظ عليه كالرجال.
ما أشبه أمس العرب وأندلسهم بحاضرهم، وبلبنانهم الذي تتنازعه الخلافات الاقليمية، ويتنازع حوله اصحاب النفوذ والمآرب، حتى لتكاد جغرافيته على صغر رقعتها تتمزّق مرة أخرى. بل تندثر كما اندثرت تلك الأندلس التي دخلت الاسطورة.
يكاد شاعر العشق والابداع، شاعر عينيّ الحبيبة يقارب في رثائه، ورؤيوياً، الملحمة اللبنانية، ملحمة وطن لا مواطنين له ولا شعب ولا أهل ولا عائلة، ولا امرأة ترفع سترها في ساحة النجمة، صارخة:
ما كانت الحسناء ترفع سترها، لو ان في هذي الجموع رجالاً.
لو ان في هذي الساحة نواب.
لو ان في هذا اللبنان لبنانيّين ذوي أصالة ومروءة.
كأن أراغون بين ظهرانينا، هنا. اليوم. بين ساحة البرلمان المقفل وساحة السرايا المحاصرة. بين انتخابات رئاسية معطّلة عن سابق تصوّر وتصميم ومحاولة لتدمير النظام الديموقراطي البرلماني الوحيد، وفي منطقة تفرّخ فيها الديكتاتوريات والأنظمة الأمنية كالفطر.
تردّدت كثيراً في نقل quot;الرؤياquot; الاراغونية الى هذه الزاوية في هذه المرحلة الملتهبة.
لكني عدت وآثرت انتقاء ما يجعل ضمير الرأي العام يقشعرّ قليلاً، مهما كان متمسّكاً ببغلنته.
وما يجعل الذين يتصارعون على فسخ الولد وعلى ثيابه يقترعون يتريثون قليلاً في تقديم الثور الابيض كقربان أخير، أو في البكاء كالنساء... مما يجفل حتى النساء ويحضهن على التنكّر لأشباه الرجال.
من أين نبدأ في quot;الرثاءquot;، من بلد الشعر هذا، البلد ذي الأبراج العاجية كي تكون لعبة الحب الالهية، والقبل تلاحق سراً من آسيا العتيقة؟
لا. من هنا تنطلق الرؤية الأندلسية - اللبنانية في تشابه مدهش ومثير:
في هذا البلد الذي عطّره الله
أي نسر أسود طار
عالياً وبشّرنا بالعقاب
عما نحن وعما كنّا
نحن الذين ما حلمنا بغير العشق
في هذا البلد الذي عطّره الله.
او في هذا البلد الخائف
فجأة من نذير مظلم.
أو في هذا البلد الذي تهتزّ الأرض
تموت السماء وينكفئ البحر.
أظن ان عاشق إلسا خصّ لبنان بسؤال وجهه يوماً الى الاندلس العتيقة:
اية نائبة وُلِدت عندكم
مَنْ جعلكم دميمين في مراياكم...
ليختم الرثاء بدعاء الشعلة لا المشعل:
في هذا البلد الذي تمزّق شذراً
في هذا البلد الذي اخترمته النصال
هذا البلد المتآكل حتى الروح
الذي أحدَقَ به آلاف الأعداء
في هذا البلد الذي تمزّق شذراً
في بلد الفاجعة هذا
آمنوا بما أقول لكم
عن وميض الحريق.
وفي الختام وعدٌ: غداً نطرد من الجنّة.
التعليقات