ريم عبيدات

كثيرة جدا تفاصيل الكائن فينا في الرحلة والهجرة والاغتراب بأنواعه وتشكلاته المختلفة، في الإقامة والغياب.. ولكن أية إقامة وأي غياب، هل الجغرافيا هي صاحبة القول الفصل في اغترابنا، أم هي الفكرة بتجلياتها واشتباكاتها الانسانية والاجتماعية. أم هي ثوراتنا الداخلية وهتافنا باتجاه أنشودة الحرية، أم الوطن بتجلياته الإنسانية وإشراقاته وظلمه لنا وفينا.

منذ سطوره الاولى في رحلة حياة شائقة بالمعنى والحيثيات، ظل الاغتراب واحدا من أعتى تفاصيل وجودنا البشري، بصفته الآلية الأهم التي تحكم طبيعة علاقتنا وفاعليتنا مع كل ما يحيط بنا ومن حولنا.

في الغربة والاغتراب وكافة مترادفات القائمة، شروط حياتية مختلفة تدفع بالبشر لنحت أسباب وجودها بصورة منفصلة عن طرق غادروها، وألفة أحجمت عنا وأحجمنا عنها.

في اغتراب شخصيات ldquo;رواية شيكاغوrdquo; للروائي علاء الاسواني، الكثير من التباينات والانعكاسات المتفاوتة، التي لا يسمح المجال بتناولها في عجالة، لكن وقفة سريعة إزاء ldquo;النجاح بمعناه الحقيقيrdquo;، او ldquo;النجاح بمعناه المهني الشاهقrdquo;، حين نغادر حياواتنا الداعية الى استكانات واسترخاءات عدة، وتعود على طرائق مستكينة في الأداء المهني المتوسط او المتراجع في الكثير من الاحيان، ربما أحد الابعاد الشفيفية في توسيعها لتفاصيل الكينونة البشرية وشروط تحققها في مجتمع آخر، وبخاصة إذا كانت شروط الاقامات الجديدة والعمل فيها أكثر صعوبة ودقة ومهنية. عندها يشعر الكائن بقسوة ترابه. ليجد نفسه ينفك بعيدا، إذ تفشل الارض الصلدة عن التمسك بجذور أشجار الحيوات البشرية المتطلعة التي تقطنها، لتفر بالمتبقي من أوراقها الخضراء وتنمو بعيداً على ان تقف مكتوفة إزاء أفعال الجفاف التي تقصفها وتتركها لتجف أو تموت أو تعيش حياتها مصفرة.

الجميل أيضا هو تأثيرات النجاح وفق المقاييس والشروط الصعبة له، على تجلياتنا ككائنات، وما تضفيه من قدرة فذة على التسامح.

فالطبيب الجراح في ldquo;شيكاغوrdquo; الذي يترك الجراحة كنتيجة للتمييز الطائفي، والذي يعصف حتى بإمكانيته في الاختصاص، حين يصارحه أستاذه بأنه لن يسمح له بالاستمرار في اختصاص الجراحة طالما ظل الاستاذ على رأس عمله، ليجد نفسه بعد عدد سنوات وعقود الاغتراب، يقوم بواحدة من أصعب العمليات الجراحية لقلب هذا الاستاذ لينقذه من كارثة صحية محققة. في تجليات رائعة للذات وآلامها وتناقضاتها مع موقف محفوف بالتناقضات الانسانية لتكون الغلبة أخيرا تكون للتسامح الذي يبعثه النجاح فينا، وبالذات وفق ظروف وشروط مهنية ومعيشية صعبة. أما الاحساس بالنجاح المشهود هذا في الأوطان الجديدة فتلك حكاية اخرى.