حازم صاغيّة

laquo;دولة فلسطينيّة في العام 2008raquo; بات عنواناً نقع عليه في مناشدات السياسيّين ومقالات الصحافيّين. بعضهم يقفل العبارة بعلامة تعجّب وبعضهم بعلامة استفهام. وتجيء جولة الرئيس الأميركيّ جورج بوش في المنطقة لتجعل المتعجّبين والمستفهمين أكثر تعجّباً واستفهاماً، فيما يغدو الصارخون في وجه الجولة أعلى صراخاً.

ما لا شكّ فيه أن مؤتمر أنابوليس، على رغم استعراضيّته وإعلاميّته، أطلق ديناميّة لا يزال الرمزيّ فيها أكثر من الفعليّ بكثير. مع هذا فالفعليّ لم يُعدم الحضور بدليل التفاوض الفلسطينيّ - الإسرائيليّ وانعقاد مؤتمر المانحين في باريس بالأرقام السخيّة التي أسفر عنها.

طبعاً تبقى، في المقابل، لائحة الصعوبات المعروفة التي لا يمكن لجولة رئاسيّة أن تبدّدها، يتصدّرها أن الرئيس الجائل دخل أرذل عمره الرئاسيّ، وهو من لم يكن أحسنُ عمره حسناً. ثم إن الرمزين المعنيّين مباشرة، أي الرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس ورئيس حكومة إسرائيل إيهود اولمرت، لا يملكان القوّة التي تكفي لإطلاق السلام، وإن كانا يتبادلان الثقة التي توحي بإمكان إطلاقه. وأخيراً، فإن بقاء laquo;حماسraquo; خارج العمليّة الموعودة، فيما هي تستولي على غزّة، يطرح على العمليّة تلك تحدّيات جدّيّة، فكيف حين يتّصل التعقيد هذا بتعقيد العلاقات الأميركيّة والإسرائيليّة مع إيران ومع سوريّة، وكيف حين تتواصل laquo;الاستراتيجيّةraquo; الحمقاء لإطلاق الصواريخ على جنوب إسرائيل مع ردود إسرائيليّة بالغة القسوة عديمة التمييز؟

هل يمكن، بعد هذه القائمة، أن يكون العام 2008 عام فلسطين؟ ربّما، شريطة أن تتلاقى إرادات أربع:

أميركيّة، تمارس الحسم والضغط الفعليّين لفرض التسوية حيث يُستعاض عن ضعف الإدارة الحاليّة بالتزام يبديه الحزبان الأميركيّان، الجمهوريّ والديموقراطيّ، معاً. والتزام كهذا إذ يوحي بأن أيّة إدارة مقبلة سوف تمضي في النهج ذاته، يجد تسويغه في ارتباط الحلّ الفلسطينيّ - الإسرائيليّ بعموم laquo;الحرب على الإرهابraquo;، أي بالمصلحة الوطنيّة الأميركيّة العابرة للحزبيّة.

وإسرائيليّة، تتمثّل في درجة من الإجماع على العمليّة السلميّة يكون امتحانها الأساس الموقف من الاستيطان، لا من الاستيطان laquo;العشوائيّraquo; وحده. وهنا، أيضاً، تقف المنافسات الحزبيّة في الدولة العبريّة، بمزاوداتها وصَغارها، وهو غالباً صَغار وظيفيّ يدفع ثمنه الفلسطينيّون، عائقاً فعليّاً.

وفلسطينيّة، تجمع بين القدرة على ردع laquo;حماسraquo;، أو تأييد ردعها في حال العجز عن ذلك، وبين التلويح لها بأن باب السياسة مفتوح أمامها شرطه الأوّل تغليب فلسطينيّتها على دورها كأداة في المشروع الإقليميّ الإيرانيّ ndash; السوريّ.

وعربيّة، قوامها تفعيل المبادرة العربيّة لقمّة بيروت، بإعادة تزخيمها وتسويقها، ولكنْ أيضاً بالنجاح في تقديم نموذج سلميّ موازٍ متعدّد الأبعاد: من جهة، وهي مهمّة المجتمعات أكثر منها مهمّة الحكومات، أن يُصار الى تسخين السلامين الباردين المصريّ والأردنيّ مع إسرائيل ومحاصرة المشاعر والتعابير اللاساميّة، أكانت إنتاجاً محليّاً أم بضاعة إيرانيّة، ومن جهة أخرى، أن تُستكمل البداية الحميدة لما تمخّض عنه مؤتمر وزراء الخارجيّة العرب في شأن لبنان، إذ يقول المنطق البسيط إن من لا ينجح في تذليل المشكلة اللبنانيّة - اللبنانيّة لن يسعه تذليل المشكلة الفلسطينيّة - الإسرائيليّة.

وقد يقال إن ما سبق أشبه بالوعظ والتبشير، وهو قول صحيح يسوّغه أن الغرق في هذا الواقع وصفة للاندثار، وأن التبشير، حين تضيق الخيارات على ما هي حالها اليوم، خير من التحريض!