احمد عمرابي

الشمال هو الشمال.. والجنوب هو الجنوب. هذه هي زبدة ما يمكن أن يقال عن الذكرى السنوية الثالثة لاتفاقية سلام السودان التي حلت في 9 يناير الجاري. فقد كشف التطبيق العملي عن خدعة شعار laquo;السودان الجديدraquo; الذي كانت تروج له laquo;الحركة الشعبيةraquo; الجنوبية واستخدامه laquo;كتكتيكraquo; مرحلي لاستقطاب دعم أحزاب وجماعات المعارضة الشمالية واستثماره سياسياً ودعائياً ومن ثم إدارة ظهرها لتجمع المعارضة في وقت ملائم.
ما إن صعدت الحركة إلى السلطة كشريك لحزب laquo;المؤتمر الوطنيraquo; الشمالي في يوليو عام 2005 حتى نزعت القناع عن وجهها ليظهر على الملأ أنه وجه جنوبي صرف. نظرياً لم تنبذ قيادة الحركة شعار laquo;السودان الجديدraquo; علنياً ورسمياً فهو شعار براق يصلح كأداة للدعاية.

لكن على الصعيد العملي السلطوي ظل مسلك الحركة جنوبياً خالصاً كتنظيم لا هاجس له سوى مصالح أهل الجنوب عامة وقبيلة الدينكا خاصة (التي تنتمي إليها قيادات وكوادر الحركة) دون أدنى اكتراث بالشمال بل وعلى حساب مصالح أهله.

والآن وبعد انقضاء ثلاث سنوات على تطبيق اتفاق نيفاشا تفيد كافة المؤشرات والوقائع الماثلة أمام العين المجردة أن قيادة laquo;الحركة الشعبيةraquo; تتجه بالجنوب صوب الانفصال لإنشاء دولة مستقلة. بالطبع وفرت بروتوكولات اتفاقية نيفاشا أدوات لحكم ذاتي في الجنوب، أبرزها حكومة وبرلمان إقليميان وبنك مركزي وجيش إقليمي (قوات الحركة نفسها).

ولكن على الصعيد التطبيقي ذهبت حكومة الجنوب أبعد من ذلك، فقد أخذت تتعامل مع العالم الخارجي مباشرة وكأنها دولة مستقلة كاملة السيادة، وفي سبيل تحركها الخارجي أنشأت laquo;مكاتبraquo; في عواصم إقليمية وعالمية هي في الحقيقة سفارات تمارس أعمالاً دبلوماسية وقنصلية بما في ذلك صرف تأشيرات دخول إلى الجنوب لأفراد أو جماعات أجانب.

رغم ذلك ابتدرت قيادة الحركة أزمة مع شريك الحكم قبل نحو شهرين تشكو من خلالها أن حزب laquo;المؤتمرraquo; الشريك يتلكأ في تنفيذ بعض بنود الاتفاقية. ولم يكن أي مطلب من المطالب التي تقدمت بها من خلال الشكوى يتعلق بأهل الشمال.. كلها كانت مطالب تتصل بمصالح الجنوب وأهله، وتصاعدت الأزمة إلى أعلى ذراها عندما سحبت قيادة الحركة وزراءها من الحكومة المركزية، تعبيراً عن احتجاجها. ورغم أن الأزمة سويت أخيراً وعاد وزراء الحركة إلى أعمالهم إلا أن أزمة أو أزمات مماثلة تبقى مرشحة للاندلاع خلال السنوات الثلاث المتبقية في المرحلة الانتقالية، وهنا يطرأ سؤال: لماذا لا تختزل هذه المرحلة الانتقالية من أجل تفادي أزمة تضر بطرفي السلطة

ومن ثم بالشمال والجنوب في الإطار الأعرض؟ وفقاً لاتفاقية السلام فإن من المقرر أن تنتهي المرحلة الانتقالية في عام 2011 إلى إجراء استفتاء عام في الجنوب ليختار أهله إما استمرار الوحدة مع الشمال أو الانفصال الكامل المؤدي إلى دولة مستقلة،

وبما أنه قد ثبت تطبيقياً الآن وقبل ثلاث سنوات من الاستفتاء أن قيادة الحركة الجنوبية باتت تعمل في اتجاه تحقيق الانفصال، فما المانع في أن يتوافق شريكا السلطة على الانفصال الفوري تفادياً لوقوع أزمات حكم هما في غنى عنها؟

لقد كادت الأزمة السابقة أن تؤدي إلى تجدد الحرب بين الشمال والجنوب وبالتالي نسف اتفاقية السلام، خاصة بعد أن شخص رئيس الحركة سلفاكير ميارديت إلى واشنطن رافعاً شكوى إلى الرئيس الأميركي.
فهلا استخلص الطرفان عظة لمراجعة الوضع بعين إلى المستقبل؟