سركيس نعوم
لا يصدّق اخصام العماد ميشال عون مؤسس quot;التيار الوطني الحرquot; وزعيمه ان تعزيز الدور المسيحي في لبنان بعد طول تهميش والذي يُسأل عنه المسيحيون وغيرهم هو الهم الاوحد او بالاحرى الاول لديه. ذلك ان الاولوية عنده، في رأيهم، هي لتحقيق طموحه الشخصي والمزمن بالوصول الى رئاسة الجمهورية. ومن اجل ذلك مارس كل السياسات والتقلبات فكان مسيحياً ولا طائفياً وعلمانياً ووطنياً وقومياً. ومن اجله ايضاً انتهج في الاشهر الاخيرة سياسة مسيحية محضة، اذا جاز التعبير على هذا النحو، ومارسها على نحو شعبوي واحياناً ربما ديماغوجي اولاً لحرصه على استعادة كل قواعده المسيحية بعدما كاد تحالفه غير المتكافئ مع quot;حزب اللهquot; في نظر هؤلاء الاخصام وانجراره من دون قصد الى تغطية سياسة سورية طالما حاربها في السابق واخرى ايرانية ان يدفع قسماً منها الى التردد في استمرار تأييدها له وربما الى الانكفاء وإن موقتاً عن النشاط السياسي. وثانياً لمعرفته بحاجة حلفائه من فريق 8 آذار، وفي مقدمهم quot;حزب اللهquot; والجمهور العريض الذي يمثل، الى استمرار تحالفه معهم كي ينجحوا في تحقيق اهدافهم او على الاقل كي يتلافوا عزلة او انعزالا بانفصاله عنهم. وعبر حاجة كهذه يستطيع quot;الجنرالquot; عون ان يحقق، او على الاقل ان يسعى الى تحقيق انجاز ما على الصعيد المسيحي رغم ان المزاج العام عند هؤلاء الحلفاء قد لا يكون متلائماً مع اللغة المسيحية المتشددة التي استعمل في الفترة الاخيرة ولا يزال، ومع طروحاته quot;الوطنيةquot; التي قد يكون اهمها على الاطلاق الفيديرالية او الكونفيديرالية او تعديل الدستور لامر واحد فقط لا يحقق الحلفاء ما يطمحون الى تحقيقه من خلاله.
الا ان عدم التصديق المشار اليه لاخصام quot;الجنرالquot; لا يلغي حقيقة اساسية لا بد من الاعتراف بها هي ان استعادة رئيس الجمهورية المسيحي ndash; الماروني، وإن نظرياً على الاقل حتى الآن، الصوت quot;الوازن او المرجحquot; داخل الحكومة ومجلس الوزراء كانت نتيجة لمواقفه وسياساته اياً تكن المآخذ عليها ورغم صحة الكثير من هذه المآخذ. طبعاً لا يعني ذلك ان مسيحيي فريق 14 آذار لم يحملوا همّ تعزيز الدور المسيحي في البلاد بعد الهزال الذي أصابه وساهم فيه، وفقاً لرأيهم، quot;الجنرالquot; عون ولم يدفعوا حلفاءهم المسلمين داخل الفريق الى تفهم وجهة نظرهم وتالياً الى تسهيل التوصل الى quot;الانجازquot; المنسوب الى quot;الجنرالquot;. بل يعني انهم وحدهم ما كان ممكناً ان يحققوا النجاح الذي تحقق على الصعيد المذكور وإن نظرياً حتى الآن.
كيف يمكن حماية quot;الانجازquot; المذكور وتحويله عملياً بحيث يصبح رئيس الجمهورية المسيحي السهل التهميش حتى الالغاء، اذا كانت الغالبية النيابية ضده، موازياً وإن نسبياً من حيث السلطة لرئيسي مجلس النواب والوزراء ورئيساً لكل السلطات في الوقت نفسه وحكما بين اللبنانيين كونه رئيساً للدولة؟
الحماية الشكلية تكون بتوافق فريقي 8 آذار و14 آذار، وذلك صعب بل ربما مستحيل من دون توافق حلفاء الخارج لكل منهما، على تنفيذ المبادرة الاخيرة لوزراء الخارجية العرب اي انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية ثم تأليف حكومة وحدة وطنية يكون له فيها تمثيل مرجّح فيعطل بذلك الاستئثار والتعطيل في آن واحد، تتولى هي بعد نيلها ثقة مجلس النواب وضع مشروع قانون انتخاب عادل وارساله الى مجلس النواب حيث يمكن ان يُقر في سرعة نظرا الى توافق الفريقين المشار اليهما اعلاه. اما الحماية الفعلية له فتكون بجعل الصوت المرجّح لرئيس الجمهورية في الحكومة ومجلس الوزراء عرفاً لا يمكن تجاهله عند تأليف الحكومات مستقبلاً، هذا اذا تمكن اللبنانيون بمساعدة اشقائهم من انهاء الازمة الصعبة الراهنة. ولا تكون هذه الحماية بجعله نصاً دستورياً رسمياً كما يطالب العماد ميشال عون. اولا، لان للعرف قوة الدستور. وثانياً، لأن الاصرار المسيحي الفعلي على نص دستوري كهذا قد يجعل المسلمين كلهم على تناقضهم يتخلون عن هذا quot;الكسبquot; المسيحي الذي قد لا يكونون quot;سعداءquot; به ولا سيما منهم حلفاء عون لكنهم مضطرون الى غض النظر عنه حرصا على استمرار التحالف معه وتحقيق الفائدة القصوى من هذا التحالف. وثالثاً لان فتح باب تعديل الدستور سيفتح باب تهديد المكتسبات المسيحية وربما باب الغائها وخصوصا بعدما صارت الممارسات والمواقف السياسية للأفرقاء المسلمين، وفي مقدمهم السنة والشيعة عبر الجهات الاكثر تمثيلا لكل منهم، تعكس عملياً رغبة فريق في تعديل ميزان القوى داخل تركيبة الحكم التي ارساها اتفاق الطائف ورفض فريق آخر هذا الامر في ظل موازين القوى السائدة حالياً على الارض سواء شعبياً وتسلحاً او تدخلا خارجيا. واي تعديل واسع في حال حصوله سيقلص حصة المسيحيين في الصيغة والتركيبة انطلاقا من حرص على توازن بين الجناحين الاكبر في البلاد بل على التعايش بينهما اي السنة والشيعة بعدما كان التوازن في الطائف وقبله في البلاد وكذلك التعايش بين المسيحيين والمسلمين. فهل يتحمل العماد عون مسؤولية تحول quot;الانجازquot; المسيحي الذي كانت له يد طولى في تحقيقه كارثة على المسيحيين؟ وهل يتجاوب مع حض حلفائه له للاستمرار في quot;المحاربةquot; السياسية لمسيحيي 14 آذار باعتبار ان من شأن ذلك فتح باب التعديل الكبير وquot;العادلquot; كما يراه هؤلاء الحلفاء لاتفاق الطائف والدستور المنبثق منه؟
لا احد يستطيع الجواب عن هذين السؤالين. اولا، لغياب المعلومات الدقيقة. وثانياً، لأن شخصية العماد عون تبقى عصية على التكهنات او التوقعات. لكن المستطاع هو لفت كل المسيحيين، سواء داخل 8 آذار وحلفائه او داخل 14 آذار، الى ان تعديل الطائف والدستور لتعديل الميزان الاسلامي ndash; الاسلامي لا يمكن ان يتم بصراع اسلامي ndash; اسلامي لانه سيتحول حرباً ويكون كارثة على طرفيه وعلى حلفائهما الخارجيين، ولانه ممنوع لهذا السبب من هؤلاء الحلفاء وفي مقدمهم ايران والسعودية. لكنه يمكن ان يتحقق بصراع كسر عظم مسيحي ndash; مسيحي سياسي وعنفي لان انتصار عون فيه يعني عمليا تغلب محور 8 آذار الداخلي والمحور الخارجي الداعم له. وهو صراع يجري التحريض عليه والاعداد له، علما ان بعض القادة المسيحيين لا يحتاجون الى تحريض من احد كي يقتتلوا وquot;يوحدواquot; الموقف كما quot;وحدوا البندقيةquot; من زمان. وهو توحيد حصل او سعى البعض اليه مرتين quot;وينذكر وما ينعادquot;. فهل يتنبّه المسيحيون على تناقضهم، الى هذا الامر الخطر ويعملون كي يكونوا لحمة التعايش الاسلامي ndash; الاسلامي بدلا من ان يكونوا اداة اما توازنه او غلبة احد طرفيه على الآخر، ويحمون بذلك وجودهم ودورهم ولبنان؟
- آخر تحديث :
التعليقات