عبدالرحمن بن سعود الهواوي

يبدو أن شعب المملكة يسير في الطريق الصحيح من ناحية الحرية الفكرية، فقد أقيمت معارض مختلفة للكتب وأصبحت الجرائد والصحف والقنوات الفضائية المحلية تتطرق وتناقش وتكتب عن قضايا متنوعة (دينية، وعلمية، وفلسفية، وفكرية) كلها متجهة نحو خدمة الوطن والمواطن ونشر الثقافات المتنوعة بين أفراد المجتمع. ونعتقد أن الدولة تستفيد مما يطرح في وسائل الإعلام المحلية من آراء نقدية هادفة أو تبيان لأي خلل أو نقص في جهة معينة، وعلى ضوء ذلك تقوم الدولة بتلافي الخلل.

لقد أدركت حكومة المملكة أنها هي وأفراد مجتمعها هم من سلالة أقوام كان لهم باع طويل في تطور الحضارة البشرية وكان للأفكار القيمة التي بثوها بين الشعوب أثرها البين في تطورها. فبعد ظهور الإسلام في جزيرة العرب في بداية القرن السابع الميلادي وما تبعه من انتشار للفتوحات العربية الإسلامية العظيمة والتي كانت تحمل في طياتها قيما دينية وحضارية وفكرية لصالح الإنسانية. وقد امتد التأثير الفكري العربي الإسلامي من حدود الصين شرقا إلى حدود فرنسا غرباً في القارة الأوروبية وإلى وسط القارة الإفريقية جنوبا. وقد سادت الحضارة العربية الإسلامية هذه الأصقاع لعدة قرون.

إن ما نشاهده اليوم من تطور حضاري وتقني وعلمي وعسكري وصناعي في الدول الأوروبية - على وجه التحديد - لم يحدث في فترة قصيرة من الزمن بل أتى عبر تضحيات جسيمة في عدة قرون. وكان للأفكار النيرة التي كتبها ونشرها المفكرون من رجالات أوروبا الأثر الواضح في هذا التطور. وقد استقى هؤلاء المفكرون أفكارهم من حضارات سابقة لهم وعلى وجه التحديد الحضارة العربية الإسلامية.

لقد فتح العرب المسلمون الأندلس في عام 711م. وامتد وجودهم في الأندلس لمدة ثمانية قرون. وقد صاحب الوجود العربي الإسلامي في الأندلس نهضة علمية وعمرانية وفنية وفكرية وفلسفية. وقد استطاع فلاسفة العرب ومفكروهم في الأندلس التأثير في أفكار بعض رجالات أوروبا التي كانت شعوبها في تلك العصور - الوسطى - تعيش عيشة شبه بدائية ومسيطر عليها من قبل الكنيسة الكاثوليكية والقياصرة.. وكان الجهل والفساد والرذيلة والخرافات والاقتتال الوحشي منتشرة فيما بينهم.

لقد تبنى بعض المفكرين الأوروبيين أفكار وفلسفة العرب في الأندلس، وخصوصا فلسفة ابن رشد (مولود سنة 1126م) وهو الشارح لفلسفة أرسطو اليوناني، ووظفوا هذه الأفكار والفلسفة في صراعهم وتحديهم للكنيسة. وقد كان رجال الكنيسة يكرهون ويمقتون الفيلسوف العربي ابن رشد، وقد امتدت حملاتهم القبيحة عليه من القرن الثالث عشر الميلادي، وحتى القرن الثامن عشر الميلادي حيث بدأت الشعوب الأوروبية في التخلص من التأثير الكنسي الكهنوتي. ومنذ عصر ابن رشد وظهور أفكاره وآرائه وفلسفته ظهرت أفكار فلسفية ودينية أوروبية مصحوبة بالاكتشافات العلمية والجغرافية حيث تم اكتشاف أمريكا في عام 1492م. وهو العام الذي انتهى فيه الحكم العربي الإسلامي للأندلس. وفي هذا التاريخ بدأت مرحلة استعمار دول أوروبا للشعوب الأخرى. والغريب في الأمر هو أن إسبانيا والبرتغال هما الدولتان الأوروبيتان اللتان دشنتا المرحلة الاستعمارية وهما كانتا ما نسميه بالأندلس. وللحقيقة والتاريخ نقول إنه منذ سنة 1031م قسمت الأندلس إلى عدد من الملكيات - الإمارات - على أساس قبلي وطوائفي، ومع هذا التقسيم بدأت الهجمات المسيحية الكاثوليكية على ممالك الطوائف في الأندلس حيث لم تنته هذه الهجمات إلا بعد سقوط آخر ممالك الطوائف - مملكة غرناطة - في أيدي الكاثوليك عام 1492م.