خيرالله خيرالله

من أجل محاولة فهم ما آلت أليه الأزمة اللبنانية، يبدو مفيدا وضعها في أطارها الأقليمي الواسع. كلما مرّ يوم، يتأكد أن لبنان يتعرض منذ ما يزيد على أربع سنوات لمحاولة أنقلابية تستهدف تغيير النظام فيه وربطه بشكل نهائي بالمحور الأيراني- السوري. لم يكن التمديد القسري لولاية أميل لحود في سبتمبر ndash; أيلول من العام 2004 سوى جزء لا يتجزأ من المحاولة الأنقلابية. الآن وبعد مرور ثلاث سنوات تقريبا على أغتيال الرئيس رفيق الحريري، يتبين أن اللبنانيين يدافعون في وجه المحاولة الأنقلابية التي تستهدفهم عن وجودهم كمواطنين في بلد مستقل منفتح على العالم غير تابع لأي طرف أقليمي أو دولي.
لم يكن أغتيال رفيق الحريري حدثا عابرا بمقدار ما أنه يدخل في سياق سلسلة من الأحداث تصب كلها في هدف واضح كل الوضوح. يتمثل هذا الهدف في توسيع الهجوم على لبنان بعدما شعر المحور الأيراني ndash; السوري بأنه زاد قوة وبات يمتلك زمام المبادرة في ضوء ما حصل في العراق. كانت نتيجة الحرب الأميركية على العراق خروج أيران منتصرة، نظرا ألى أنه للمرة الأولى منذ قرون عدة، ينهار الخط الفاصل بين العراق وأيران. هذا الخط لم يكن حسب ما عبر عن ذلك الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران مجرد حدود دولية بين دولتين. بالنسبة ألى أحد أعظم الرؤساء الذين عرفتهم فرنسا، وأكثرهم ثقافة وعمقا، كانت تلك الحدود خطا يفصل بين quot;حضارتين عظيمتينquot; هما الحضارة العربية والحضارة الفارسية.
حطم الأميركيون هذا الخط في العام 2003. كانوا على حق في التخلص من صدّام حسين ونظامه العائلي- البعثي الذي لعب دورا أساسيا في القضاء على النسيج الأجتماعي للعراق تدريجا. لكن الخطأ الأساسي الذي أرتكبه الأميركيون يكمن في أنهم لم يدركوا النتائج التي ستترتب على أسقاط نظام صدّام ثم تسليم العراق ألى أحزاب مذهبية موالية لأيران تمتلك ميليشيات خاصة بها. لم يستوعب الأميركيون معنى الأقدام على خطوة من نوع حل الجيش العراقي، مثلما لم يستوعبوا الأسباب التي جعلت من أيران الدولة الوحيدة في المنطقة التي تدعم حربهم على العراق وتقدم لهم كل التسهيلات المطلوبة لنجاح حملتهم العسكرية. أكثر من ذلك، لم يطرحوا على نفسهم مجرد سؤال عن الأسباب التي جعلت ايران تنفرد بين دول المنطقة في تأييد كل خطوة ذات طابع مذهبي أتخذتها الأدارة الأميركية في العراق، بما في ذلك تشكيل مجلس للحكم الأنتقالي بعيد سقوط نظام صدّام همّش السنة العرب تهميشا شبه كامل.
بعد الذي شهده العراق، لم يعد مستغربا أن تكون للمشروع الأيراني أنطلاقة جديدة في المنطقة أكان ذلك في أتجاه العراق نفسه أو فلسطين أو لبنان أو الخليج وحتى في أتجاه سوريا. أزدادت دمشق قربا من مركز القرار في طهران وأعتمادا عليه أكثر من أي وقت بعد أضطرارها ألى سحب جيشها من لبنان أثر أغتيال رفيق الحريري وتصويب أصابع الأتهام في أتجاهها. صار النظام السوري تحت رحمة الأدوات الأيرانية في لبنان والبنية العسكرية والأمنية لquot;حزب اللهquot; تحديدا بعدما كان شريكا في أستخدام هذه الأدوات. صار في الأمكان الحديث عن محور أيراني- سوري في لبنان تحت عنوان تكريس الوطن الصغير quot;ساحةquot; لطرفي المحور.
يستمر الجانب الأميركي في أرتكاب النوع ذاته من الأخطاء من دون تقدير للعواقب. أيران ومعها النظام السوري هما المستفيد ألأول من الأتهامات التي يوجهها الرئيس بوش الأبن ألى quot;حزب اللهquot;. الأتهامات الأميركية تظهر الحزب في مظهر من يواجه المشروع الأميركي في لبنان والمنطقة وتظهر الأستقلاليين اللبنانيين الذين ينتمون ألى العروبة بمفهموها الحضاري وكأنهم يؤيدون المشروع الأميركي، علما بأن لا وجود لمثل هذا المشروع. لا وجود سوى للمشروع الأيراني المستفيد من التخبط السياسي والعسكري لأدارة بوش الأبن.
ثمة ما هو مضحك ومبك في الوقت ذاته. هناك مثلا، شيعة بحرينيون يحتجون عن طريق التظاهر على زيارة بوش الأبن للمملكة. يرفع هؤلاء المتظاهرون صور السيد حسن نصرالله الأمين العام لquot;حزب اللهquot; قبالة السفارة الأميركية في المنامة. لم يأت للأسف من يقول لهم لماذا لا ترفعون أيضا صور السيد عبدالعزيز الحكيم رئيس quot;المجلس الأعلى للثورة الأسلامية في العراقquot; وهو جالس ألى جانب الرئيس الأميركي في البيت الأبيض؟ ما الفارق بين نصرالله والحكيم من ناحية أرتباط كل منهما بمركز القرار في طهران؟ أم يحق لأيران أن تكون مع الأميركيين حيث تشاء، في العراق مثلا، وضدهم حيث يحلو لها ذلك... أي في لبنان وفلسطين والبحرين وأي مكان آخر تجد أن لديها مصلحة في ذلك؟
في كل الأحوال، من المهم التركيز على ما يتعرض له لبنان في هذه الأيام، نظرا ألى أن مصير البلد على المحك. هناك للمرة الأولى مشروع عربي للبنان. حمل الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسى المشروع- الحل ألى بيروت مؤكدا أنه لا يحتاج ألى تفسير. أصطدم المشروع العربي المتوازن بالمشروع الأيراني. تبين بما لا يقبل الشك أن ما تريده طهران ومعها دمشق يتجاوز بكثير مسألة أنتخاب رئيس جديد للجمهورية. تريد العاصمتان تثبيت قواعد جديدة تعتمد في لبنان بالنسبة ألى أنتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة وتعيين قادة الأجهزة الأمنية وكبار المسؤولين. تريدان نسف الطائف لا أكثر ولا أقل وتكريس أعراف جديد تمهيدا لجعلها جزءا لا يتجزأ من الدستور بعد تعديله بما يتفق والمثالثة، أي تقسيم البلد بين السنة والشيعة والمسيحيين.
ما الذي في أستطاعة اللبنانيين عمله في هذه الحال؟ الأكيد أن صمودهم في وجه المحاولة الأنقلابية التي يتعرض لها بلدهم عنصر أساسي في أفشال المحاولة. الأمر الآخر المهم أن عليهم التشبث بالثوابت. تلك نصيحة لوجه الله صدرت حديثا عن شخصية سياسية لبنانية غير منحازة لهذا الطرف أو ذاك. أنها شخصية تقف على مسافة واحدة من الرابع عشر من آذار ومن الثامن من آذار. أثبتت ذلك بالأفعال وليس بمجرد الكلام عندما كانت في موقع المسؤولية. هذه الشخصية هي الرئيس السابق لمجلس الوزراء السيد نجيب ميقاتي. في كلمة له قبل أيام في مناسبة رعايته أعمال المؤتمر الدولي الأول للجمعية العالمية لخريجي الجامعة الأميركية في بيروت، عدد ميقاتي الثوابت. في مقدمها quot;ضرورة أقتناع الأطراف المعنيين، في الموالاة كما في المعارضة، أن لبنان لا يمكن أن يكون دولة تابعة أو دولة منعزلةquot;... أما آخر الثوابت وحملت الرقم ستة فهي quot;وثيقة الوفاق الوطنيquot; أي أتفاق الطائف. قال الرئيس السابق لمجلس الوزراء في هذا الصدد:quot; على رغم كل ما يقال في شأن هذه الوثيقة التي أقرّت في الطائف،أن وضعها أستوجب عملا دؤوبا ودقيقا وجديا أخذ في الأعتبار حساسيات مكونات المجتمع اللبناني. لذلك، أن التبسيط في الحديث عن أتفاق الطائف لا يهدف ألى الأستقرار. لنطبق الأتفاق بشكل سليم أولا ثم نبحث في نواقصه، أذا كان هناك من نواقصquot;.
المشروع العربي، حتى لو جاء متاخرا، حماية للبنان واللبنانيين في ظل الظروف المعقدة التي تمر فيها المنطقة في ظل الهجمة الهجمة الأيرانية في غير أتجاه... والتخبط الأميركي. الطائف خط من خطوط الدفاع عن لبنان، كذلك المشروع الذي أتفق عليه المجلس الوزاري العربي. أن مشروع يندرج في السياق الطبيعي لتنفيذ الطائف وليس في سياق الأنقلاب عليه. مثل هذا الأنقلاب يصير عندئذ أنقلابا على لبنان في مرحلة أولى وعلى العرب في مرحلة أخرى.