السوريون العرب، بغالبيتهم الساحقة، يعارضون فكرة الفدرلة أو الحكم الذاتي ويطالبون أبناء جلدتهم من الكرد أن يتطلعوا إلى القضية السورية من منظور دولة المواطنة. هذا الأمر لا يتعلق بعامة السوريين فقط، بل يشمل النخبة أيضاً، وأقول هذا من خلال تجربتي الشخصية أثناء العمل مع كوكبة من المثقفين السوريين في "حركة ضمير" المعارضة لنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد. الحركة ضمت طيفاً واسعاً من الأصدقاء من كافة المناطق السورية، جلّهم من الفنانين والساسة والأدباء والمفكرين والباحثين. كان لسان حالهم: المواطنة ثم المواطنة ثم المواطنة، بغض النظر عن اللون والعرق والجنس والدين والمذهب. وهم محقون، فليس هناك نظام أفضل من أن يتمتع جميع السوريين بحقوق المواطنة المتساوية.
لكن، حين يتعلق الأمر بحقوقٍ جمعية متساوية للمكونات غير العربية، يختلط الأمر على معظمهم ويطغى الحس القومي على الوطني، ليعود الحديث عن الأقلية والأغلبية!
السوريون، كما هو معروف، ليسوا كلهم عرباً؛ بل هناك الكرد، وهم القومية الثانية من حيث التعداد السكاني، إضافة إلى السريان الآشوريين والأرمن. نحن هنا نتحدث عن سوريين أباً عن جد وليسوا وافدين. فما الضير في أن تُثَبت حقوقهم الجمعية في دستور البلاد؟ وما الضير في أن يكون اسم بلدنا "الجمهورية السورية"، كما كان منذ نشأة الدولة السورية، وحتى قبل تولي حزب البعث الشوفيني السلطة؟
لكي يشعر بالانتماء نفسه من هم من الإثنيات الأخرى، هذا إذا كنا بالفعل نؤمن بأنَّ الأولوية في البلد الحر الذي نريده هي لحقوق المواطنة المتساوية.
الآن، وبعد سقوط الطاغية وإنهاء عقود من الاستبداد، يبقى السوريون بأمسّ الحاجة إلى السلم الأهلي كخطوة أساسية للبدء في عملية البناء. ولا نفشي سراً إذا قلنا إنَّ التحديات هائلة، وما يزيد الطين بلة اليوم، وعلى ما يبدو حتى أمد غير معروف من مستقبل الأيام أيضاً، هو وقوف تركيا بزعامة رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية حجر عثرة في طريق البناء والتعافي.
إقرأ أيضاً: دموع الفرح وحّدت السوريين
كيف لا وقد تغير فجأة كل شيء، ومالت كفة الميزان لصالح تركيا. لا شك أن أردوغان نفسه تفاجأ، مثل الكثيرين، بالنصر السريع للفصائل المسلحة وتهاوي جيش الأسد، وبالتالي انتصار الفصائل الإسلامية التي كان يدعمها لاستخدامها في التأثير على مجريات الأمور في الداخل السوري لمواجهة إيران، التي كان لها النصيب الأكبر من خلال تحالفها الاستراتيجي مع النظام البائد.
انقلبت المعادلة، وتحول من كان يناصرهم من معارضة الأمس المسلحة إلى صناع القرار في دمشق. هذا ما جعل أردوغان يرفع من سقف مطالبه، مترافقاً مع رفع وتيرة التصعيد بالتهديد والوعيد لإرغام الكرد على الاستسلام والتخلي عن سلاحهم.
اليوم، هو من الأيام التي ستبقى في ذاكرة السوريين. إنه اختبار للمواطنة الحقيقية والانتماء؛ إذ يهدد رئيس دولة أجنبية مواطنين سوريين كرداً بأن يسلموا أسلحتهم أو يُدفنوا في الأراضي السورية. من حيث المبدأ، يجب أن تكون الدولة هي السلطة الوحيدة التي تملك السلاح. لكن هذا الأمر، من المفروض، شأن سوري داخلي في بلد تخلص للتو من نظام قمعي.
إقرأ أيضاً: هل معركة دحر قسد هي التالية؟
لماذا كل هذه الضغوط والعجالة من تركيا؟ أليست المسألة بحاجة إلى بعض الوقت ومناخ ملائم يتم فيه الحوار بين الإدارة الجديدة والإدارة الذاتية في المناطق الكردية؟ أم أن تركيا تريد سوريا بالمعايير التي تهواها فقط؟
تبقى القضية الكردية داخل تركيا شأناً تركياً صرفاً، وليس مطلوباً من السوريين العرب مساعدة الأتراك في قتل الكرد كثمن لمناصرتهم على الأسد. في الوقت نفسه، ليس مطلوباً من السوريين الكرد محاربة أبناء جلدتهم من السوريين لمناصرة رئيس حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، المسجون في تركيا. هذا إذا كان يجمعنا حقاً شعور المواطنة المتساوية تحت سقف دولة اسمها سوريا فقط.
التعليقات