محمد السعيد إدريس
المفهوم الذي حدده الرئيس الأمريكي جورج بوش لصورة الوضع الذي يجب أن تكون عليه المنطقة (الوطن العربي الشرق الأوسط) قبيل مشروعه في جولته الحالية يحمل الكثير من المؤشرات بأن ldquo;عمليات جراحيةrdquo; ما يجب أن تقوم بها أمريكا لفرض هذه الصورة التي حددها للوضع الذي يجب أن يكون عليه الموقف العربي، وهي: الشراكة مع ldquo;إسرائيلrdquo; والعداء لإيران، ولكي يتحول العرب إلى شركاء لrdquo;إسرائيلrdquo; دون إجبار هذه الأخيرة على الوفاء بمتطلبات السلام العادل الذي يريده العرب، يجب أن تحدث أشياء ما تجبرهم على هذا التحول القسري في موقفهم، ولكي يتحول العرب من الصداقة أو على الأقل علاقات الجوار الحميد مع إيران إلى العداوة يجب أن تحدث أشياء تفرض هذا التحول، وفي كلتا الحالتين يبدو أن مواجهات ما مع يسمى في أدبيات السياسة الأمريكية بrdquo;محور الشرrdquo;، الذي يضم إيران وسوريا وrdquo;حزب اللهrdquo; اللبناني وحركتي ldquo;حماسrdquo; وrdquo;الجهاد الإسلاميrdquo; في فلسطين، سوف تحدث أو يمكن أن تحدث.
بالنسبة لإيران فإن الحرب ضدها باتت مؤجلة، إلى حد ما، بعد تقرير أجهزة الاستخبارات الأمريكية الذي نفى الصفة ldquo;العسكريةrdquo; عن برنامجها النووي منذ عام ،2003 ناهيك عن الحاجة الأمريكية للتوصل إلى تفاهم ما مع إيران في العراق ييسر مهمة الحكومة العراقية في المضي قدما بوضع ترتيبات وثيقة المبادئ التي وقعها رئيس وزرائها نوري المالكي مع الرئيس الأمريكي عبر ldquo;الفيديو كونفرانسrdquo; وتنظم العلاقات المستقبلية العراقية الأمريكية، بما فيها شكل ومهام الوجود العسكري الأمريكي طويل المدى في العراق ابتداء من أوائل عام 2009 موضع التنفيذ.
وبالنسبة لحزب الله وحركتي ldquo;حماسrdquo; وrdquo;الجهاد الإسلاميrdquo; فإن المهمة بدأت فعلياً منذ الحرب ldquo;الإسرائيليةrdquo; على لبنان صيف ،2006 وهي الحرب التي لم تتوقف بعد، وان كانت بأشكال مختلفة منها الاعداد الفعلي لعمليات اغتيال للقيادات وعلى الأخص الأمين العام السيد حسن نصر الله.
ففي أحدث دراسات معهد أبحاث الأمن القومي ldquo;الإسرائيليrdquo; وتحمل عنوان ldquo;الحملة ldquo;الإسرائيليةrdquo; لإضعاف حزب اللهrdquo; تم تحديد الهدف بrdquo;وجوب تقليص التهديد الذي يشكله حزب الله على أمن ldquo;اسرائيلrdquo; والاستقرار في المنطقة، من خلال إضعاف قوته وتحويله إلى لاعب هامشي غير ذي شأن في المعادلات الاقليميةrdquo;، وذلك عبر وسائل متعددة تبدأ بضرب العلاقة بين كل من إيران وسوريا مع الحزب، وتمتد إلى المساس بقيادة الحزب وممتلكاته وقدراته وموارده عبر ldquo;معركة سريةrdquo; تستهدف قادة الحزب في عمليات اغتيال خصوصاً أمينه العام الذي يلعب الدور الأبرز في بلورة صورة الحزب بفعل شخصيته الكارزمية وبراعته في التنظيمrdquo;، حيث إن تصفية السيد حسن نصر الله ldquo;سيمس جدياً بالحزب ويمنح ldquo;إسرائيلrdquo; إنجازاً معنوياً من الدرجة الأولىrdquo;.
كل هذا يعني أن سوريا أضحت المستهدف الأول لدرجة أن البعض بات يرى أن الحرب على سوريا لم تعد محصورة في صيغة السؤال: هل ستقع فعلاً أم لا بل متى تقع من شهور العام الحالي ،2008 لسبب أساسي هو أن سوريا تشكل، بوضعها الحالي، حلقة الوصل الأساسية بين ما يوصف بمحور ldquo;إيران سوريا المقاومةrdquo; أي ldquo;محور الشرrdquo; كما تراه أمريكا.
لقد تحولت سوريا في الأشهر الأخيرة إلى ldquo;هدفrdquo; أمريكي ldquo;إسرائيليrdquo;، ولم يكن فك الارتباط الفرنسي مع دمشق وتحميلها مسؤولية افشال جهود انتخاب رئيسي لبناني على لسان الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي، ثم اتهام الرئيس الأمريكي جورج بوش لها مباشرة بالمسؤولية عن أزمة انتخاب رئيس جديد للبنان، إلا مؤشرات تؤكد سوء النوايا ضدها. لكن دراسة معهد أبحاث الأمن القومي ldquo;الإسرائيليrdquo; نصت، في بند فرض تغيير في علاقة سوريا مع حزب الله بهدف إضعافه، على أن تغيير سوريا لسياستها تجاه حزب الله يتم في الحالات التالية: سقوط أو إسقاط النظام الحالي، وظهور نظام جديد يغير سياسته مع حزب الله عبر التوقيع على اتفاق سلام مع ldquo;إسرائيلrdquo; وكجزء من رزمة ترتيبات إقليمية، وتشديد الضغوط الدولية على سوريا، وإحداث شرخ أو أزمة في العلاقات بين دمشق وطهران.
هذه السيناريوهات التي يمكن ان تفرض على سوريا تغيير سياستها تجاه حزب الله تعطي الأولوية لسقوط أو إسقاط النظام في سوريا، وهذا لن يتم إلا عبر حدوث عملية جراحية، حتما ستكون الحرب أولى مراحلها.
رغم ذلك هناك اتجاه آخر، داخل ldquo;إسرائيلrdquo; ويجد له أصداء عربية، يرى ضرورة احتواء سوريا، سواء عبر تفكيك ارتباطها مع إيران، فهذا التفكيك يمكن أن يحقق هدفين مزدوجين، أولهما إضعاف سوريا وإجبارها على التوجه عربياً والقبول باتفاق سلام مع ldquo;إسرائيلrdquo;، وثانيهما إضعاف علاقتها مع حزب الله، أو عبر احتوائها، من خلال مشروع ldquo;إسرائيليrdquo; يستهدف احياء أو ldquo;عودة الخيار السوريrdquo; إلى واجهة الدبلوماسية ldquo;الإسرائيليةrdquo;.
بعض الصحف ldquo;الإسرائيليةrdquo; تنقل عن مسؤولين كبار هناك قولهم ان الاتفاق مع سوريا ناجز بغير مفاوضات بينها الاتفاق مع الفلسطينيين غائب برغم المفاوضات.
وأغلب الرهانات تركز على شخص ايهود بارك وزير الدفاع بصفته أهم أو أحد أهم العقول الاستراتيجية التي ترى ضرورة الاتفاق مع سوريا حتى وإن كان الثمن هو الجولان، والأكثر أن البعض يروج لمعلومات مفادها أن باراك استطاع ان ينسج علاقات مع مستثمرين يهود أمريكيين وكنديين يرون في سوريا إحدى أهم فرص الاستثمار الإقليمي، ناهيك عن أن استحقاقات التفاهم مع السوريين حول الجولان، أقل وطأة بالنسبة لrdquo;إسرائيلrdquo; وrdquo;الإسرائيليينrdquo; من الاتفاق مع الفلسطينيين حول إعادة الضفة الغربية.
مشاهد متعارضة بين الحرب والاحتواء، لكن في النهاية تبقى سوريا هدفاً في المرحلة الراهنة.
التعليقات