تركي الدخيل

قبل نحو خمسة عشر عاماً تقريباً، كنتُ أعمل في صحيفة المسلمون. أجريتُ حواراً مع شخصية تتعاطى مع الرقية الشرعية، والقراءة على المرضى، وهي أمور تمتد نقاشاتها لتصل إلى قضية دخول الجني في الإنسي، أي التلَبُس، بين قبول ورفض. كان الحوار يتطرق إلى موقف مفتي السعودية، السابق، الشيخ عبدالعزيز بن باز، رحمه الله، من ذات القضايا، بحسب رأي الضيف.
نشرتُ الحوار، فتداعت آثارهُ إلى التفاعل سلباً وإيجاباً. غضب الشيخُ ابن باز من ضيفي، لأنه نسب إليه ما لم يقله. علم الضيفُ باستياء المفتي الراحل، فاتصل بمكتب المفتي وطلب مكالمة الشيخ، فرفض ابن باز، فحلف ضيفي لمن ردّ عليه، إنه لم يَقُل ما نُشِر على لسانه، وإني كذبتُ عليه، وتقَوّلتُ عليه ما لم يقل! اتصل بي مدير مكتب الشيخ ابن باز، ليخبرني بتكذيب ضيفي لما نشرته من حوار، فقلتُ له: الحوار مُسَجّلٌ عندي. اقترح عليّ أن آتي للطائف، المقر الصيفي للمفتي، من جدة، حيث إقامتي حينها.
وصلتُ الطائف، وبعد صلاة الجمعة بساعة كنتُ في منزل الشيخ ابن باز. كان المنزل مفتوحاً لمن أراد أن يحضر ليستمع إلى النقاشات والحوارات مع المفتي الراحل، ثم تناول الغداء معه رحمه الله. دخلتُ إلى المجلس، حيث كان الشيخ جالساً إلى ضيوفه، يجيب أسئلتهم، ويلاطفهم ويلاطفونه، ويتبادلون أطراف الحديث في الحياة والدين وشؤون المسلمين. جلستُ واستمعتُ إلى الحوار، حتى وجدتُ فرصةً، فقلتُ للشيخ ابن باز: أنا فلان الصحافي في صحيفة المسلمون، وقد أجريتُ حواراً مع فلان، وبلغني أن ضيفي قال لكم إني كذبتُ عليه، ونسبتُ إليه ما لم يقل، وتقولتُ عليه قولاً لا علاقة له به.
قال الشيخ ابن باز: صحيح، اتصل بنا، وقال ذلك. قلتُ: لكنّ لدي ما يُثبتُ أني لم أكذب عليه، ولم أنسب له غير قوله، فهل تأذنون لي به؟!
قال لي الشيخ ابن باز: ماذا لديك؟!
قلتُ: لدي تسجيلُ للحوار، بصوتي وصوته. فقام الرجل الذي كان يجلس إلى الكرسي المجاور للشيخ، وانتقلتُ إلى قرب الشيخ، وأدرتُ جهاز التسجيل، وأسمعتُ ابن باز الحوار موضع النقاش، فتأكد من صحة قولي، ودعا لي بالتسديد، رحمه الله، ثم أصدر بعد يومين، بياناً يردُ فيه على الرجل.
وغداً نكمل بإذن الله.