تركي بن عبدالله بن عبدالرحمن

في المقالة السابقة، طرحت فكرة quot;سعفة القدوة الحسنةquot; والتي تهدف إلى إلقاء الضوء على المؤسسات والأفراد الذين أسدوا للوطن أرقى الخدمات بإضفاء قدر واسع من الشفافية على صنع القرار في مؤسساتهم، مما حافظ على المصلحة العامة وأضفى سمعة إيجابية جيدة للوطن. ووعدت في تلك المقالة أن أبدأ بالكتابة عن إحدى المؤسسات الحكومية التي قامت بهذا العمل النبيل.

يقف من يتاح له أن يتعرف عن قرب على ما قامت به (هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات) من أعمال كي تنظم مجال الاتصالات في بلادنا وإصدار التراخيص للاتصالات موقف الإعجاب والإكبار للدور الشفاف والمؤثر الذي قامت به. فلقد استطاعت هذه الهيئة أن تجعل من إجراءات الترخيص لخدمات الاتصالات حافزا قويا لتقديم مصلحة الوطن والمستهلك على جميع المصالح الأخرى. وهذا منطلق لإيجاد بيئة نظيفة صحية تسمح بتطور قطاع خدمي مميز مبني على المهنية والكفاءة، مما يؤدي إلى جو تنافسي غاية في الإنصاف يدر على هذه البلاد بلايين الريالات، ناهيك عن الرد على من يسيء إلى سمعة بلادنا في الخارج.

وتزداد إعجابا عندما ترى وتلمس رأي المنظمات الدولية والمؤسسات المعنية بإصدار التراخيص في العالم فيما قامت به الهيئة وإجراءاتها بأنها تماثل أو حتى تبرز أرقى درجات الشفافية في العالم. وحسبما سمعت، لعل ذلك صحيح، إن إحدى الجامعات الكبرى في العالم مهتمة بالقيام بدراسة عن الهيئة وإجراءاتها لتجعل منها quot;حالة دراسةquot;. ولا تصدر مثل هذه الأحكام من منظمات معتبرة بناء على عموميات أو بناء على سمعة أشخاص. وإنما تأتي بعد تمحيص ودراسة ومقارنات تكشف فيها بواطن الأمور.

دعونا ندخل في شيء من التفاصيل لتنكشف لنا مبررات الإعجاب. في البداية لابد من ذكر خلفية عن قطاع الاتصالات وظروف أعماله، فمن المعروف أن ذلك القطاع في كل أنحاء العالم تقريبا يوفر مجالا أكثر من غيره لمن يريد أن تغلب مصلحته الشخصية على حساب الغير والصالح العام. فالمبالغ المالية المتداولة خيالية ومغرية، والضوابط يصعب تطبيقها بحكم تعقيد وسرعة التقنية ومتغيراتها.

ومجال التلاعب لا يشمل تصنيف دول عن دول وإنما شائع في كل صنف. وأنا لا أشير هنا إلى أن كل من عمل في هذا المجال مدان فأنا أعرف أن هناك أمثلة كثيرة للجانب المضيء، وإنما أقول إن الظروف متاحة لمن يريد أن يقدم مصلحته قبل المصلحة العامة.

وضمن هذا الإطار وفي بلد جديد نسبيا على قطاع الاتصالات ndash; أي أنه خال من الضوابط الجيدة في هذا المجال - تكون دوافع التلاعب لمؤسسة مثل الهيئة صعبة المقاومة. وحجم سوق بلادنا واقتصادها يجعل منها جوهرة الشرق وإليها تشد الرحال. كل هذه الظروف لم تمنع أو تثن الهيئة أن تضرب للعارفين ببواطن الأمور أروع الأمثلة في إيجاد تنظيم عادل متكامل وإخراج تراخيص بأقيام مرتفعة وبمهنية وشفافية عالية يقل مثيلها، وأن تحفظ مصالح الوطن بأعلى درجة مستطاعة. وتسنى لها أن تقوم بذلك لأنها قامت بالتالي:

طورت رؤية واضحة مسبقة جعلت من مصلحة الوطن والإنصاف والشفافية أهدافا لا يمكن التنازل عنها. وقامت بعناية فائقة وبمشاركة جميع من له مصلحة في القطاع بإعداد تنظيم متكامل للاتصالات وفرت له خيرة القدرات الوطنية والعالمية. كما قامت بالإعداد المفصل لإجراءات طرح المنافسات ndash; خاصة الكبيرة والمهمة منها- سدت بها كل الثغرات ومنحت كل مهتم فرصة عادلة للمشاركة. فقامت بخلق طبقات من صنع القرار بشفافية مطلقه تمكن لقيادتها رؤية تفاصيل حيثيات القرار وتضمن لها المراقبة المستمرة وتمكن أي معترض من إبداء وجهة نظره لأعلى المستويات فيها مع سجل كامل لكل ما تم من إجراءات وتداول. ولقد وفر صغر عمر الهيئة ظروفا ساعدتها على أداء دورها بنجاح. فحاجتها إلى ملء معظم الوظائف بكادر جديد مكنها من وضع معايير دقيقة للتوظيف تأتي النزاهة والكفاءة في مقدمتها. وهذا لا يعني بالطبع أن كل موظف فيها فوق كل شائبة، ولكنه يشير بوضوح إلى جهاز في معظمه متمكن مما يريد فعله وعالي النزاهة. كما أنه يعني أن من أراد أن يعبث - إن وجد - لن يجد ضالته.

وبالطبع فإن المؤسسة أيَّا كانت ما هي إلا فراغ دون الإنسان وخاصة الإدارة العليا فيها. ولقد حظيت الهيئة منذ البدء بإدارة عليا، تغير أفرادها بين الحين والآخر، كانوا مثالا لموظفيهم في الأخلاقيات والبعد عن التلاعب. فجميع محافظي الهيئة والإدارة العليا فيها كانوا رجالا مملوئين بعزيمة لا تثني عن تحقيق مصالح الوطن وخدمة المستهلك. وهم الذين صنعوا الرؤية الواضحة ورسخوها.

ولا يمكن الحديث عن الهيئة ودورها دون الحديث عن الرجل الذي بدأ بناءها وهو الآن لصيق بها كوزير للاتصالات، ولو إنه يخالجني ظن بأنه لا يحبذ الحديث عنه. فلقد جعل من نفسه مثالا للجهد الصامت الذي أثمر النتيجة المرجوة بعد إضاءة الأضواء وتحديد الأهداف.. ولقد استطاع هذا الرجل وزميله الذي تلاه في الهيئة الدكتور محمد السويل والإدارة العليا في الهيئة خاصة المسؤول عن التراخيص عبد الرحمن الفهيد وجميع الجنود المجهولين في الهيئة أن يحققوا جميعا هذه النتائج المذهلة. كما أنني أعرف أن المسؤول الجديد فيها الدكتور عبد الرحمن الجعفري، سلك مسلكهم ولا ينقصهم كفاءة.

أرشح الهيئة ومن ذكرت أعلاه لنيل quot;سعفة القدوة الحسنquot; بارك الله فيهم وأكثر من أمثالهم فلقد ردوا بجلاء على أولئك الموجودين خارج حدودنا ويسيئون إلى سمعتنا

موقع الفكره: http://www.saafah.com