حسن مدن

يمكن تقسيم الناس إلى أربعة أنواع: نوع أول يحسن الكلام، ونوع ثانٍ أميل إلى الكلام، أو الثرثرة إن شئتم، لكنه لا يحسن الكلام أو لا يأتي به في وقته، ونوع ثالث يحسن الإصغاء، ونوع رابع أميل إلى الصمت لكنه لا يحسن الإصغاء.

من يندرجون تحت التصنيفين الأول والثالث جديرون بالإشادة. فالذين يحسنون الكلام أو يأتون به في وقته هم طراز من البشر تستعذب رفقتهم وتستفيد من كلامهم، أما الذين يحسنون الإصغاء فإنهم طراز آخر تشعر بأنهم ملاذك في الملمات، حين يغمرك الإحساس بالطمأنينة وأنت تبوح لهم بمكنوناتك الداخلية، خلافاً لأولئك الذين يحتلون آذاننا بالكلام، على النحو الذي وصفه ميلان كونديرا في ldquo;كتاب الضحك والنسيانrdquo;، حين صوّر حياة الإنسان بأنها لا تعدو كونها معركة للاستيلاء على أذن الآخر.

كان الشاعر الآسيوي، الداغستاني، رسول حمزتوف، قد كتب مرة: ldquo;إن الإنسان في حاجة إلى عامين ليتعلم الكلام، وإلى ستين عاماً ليتعلم الصمتrdquo;. ولكنه رغم ذلك أضاف، وكان قد تجاوز الستين من عمره يومها، إنه ما زال يشعر بأن أجمل الأشياء التي يود قولها لم يقلها بعد.

لكن للأسف ليس كل الناس مثل حمزتوف لديهم أشياء جميلة لم يقولوها بعد، لذا فإنهم بحاجة إلى اتباع نصيحته في تعلم الصمت، بوصفه في هذه الحال قريناً للتأمل والإصغاء والاستماع المرهف للآخرين، لأن الصوت العالي في الكلام ليس دليل صحة الموقف، بل إنه غالباً ما يكون نوعاً من النفي التعسفي للآراء الأخرى.

فضيلة الصمت هنا، ليس بمعنى البكم طبعاً، تجسد ما يمكن وصفه ldquo;بالتكوين الديمقراطيrdquo; للفرد القادر على سماع الآخرين والتقاط ما في أفكارهم وأقوالهم من مصادر قوة والتعلم منها.

لكن الصمت يأتي أحياناً، كحالة عجز لا مناص للهروب منها. صمت من النوع الذي لا يحتمل، لأنه هروب اضطراري من الكلام. إنه يختلف تماماً عن فضيلة الصمت لأنك بالمقابل تعاني من ضغط أشياء كثيرة بودك أن تقولها ويبلغ ضغطها حداً يحملك، لو استطعت، إلى التأوه أو الصراخ ولكنك مع ذلك تشعر بأن الصمت هو الملاذ، هو الطريقة الأفضل والأكثر حكمة للهروب من كلام تجد أن لا طائل من وراء قوله.