مريم سالم
تعد اتفاقية سايكس بيكو من الاتفاقيات السرية التي قطّعت أوصال المنطقة العربية وأدت إلى تقسيم المناطق التي كانت خاضعة للسيطرة العثمانية، وهي سوريا والعراق ولبنان وفلسطين، إلى مناطق تخضع للسيطرة الفرنسية وأخرى تخضع للسيطرة البريطانية، ورغم استقلال هذه الدولة إلا أن هذه الاتفاقية لا تزال تشغل بال الإسرائيليين، بخاصة وان المنطقة السمراء (فلسطين) التي خضعت لإدارة دولية قد سلمت إليهم على طبق من ذهب.
فقد طالبت وثيقة إسرائيلية جديدة بإجراء تعديلات على التقسيمات التي وضعتها اتفاقية raquo;سايكس ـ بيكوraquo; لخريطة المنطقة، من خلال إجراء تبادل للأراضي بين إسرائيل ودول الجوار، وخاصة الفلسطينيين، ولبنان، وسوريا، ومصر والأردن، وترى هذه الوثيقة التي ترتكز على دراسة قام بها كل من البروفسورين عوزي أراد وجدعون بيجر من laquo;المركز متعدد المجالاتraquo;.
أن الاقتراحات التي طرحت حتى الآن لتبادل الأراضي في إطار التسويات السياسية، تفتقد المرونة التي يمكن إيجادها في صفقة واسعة النطاق بين عدة دول، وأشارت في هذا الصدد إلى الاقتراح بإبقاء جزء من الضفة الغربية تحت السيادة الإسرائيلية، مقابل مناطق في النقب تنقل إلى الفلسطينيين، وتجد الدراسة أن صفقة تضم إسرائيل، والفلسطينيين ولبنان وسوريا والأردن ومصر.
ستسمح بعددٍ من عمليات التبادل الإقليمي، التي تضمن مصالح حيوية لكل الأطراف، واعتبرت أن خطوط الحدود في المنطقة التي رسمتها فرنسا وبريطانيا laquo;بواسطة اتفاقية سايكس ـ بيكوraquo; لم تراع احتياجات سكان المنطقة.
وبحسب الاقتراح الذي تطرحه الدراسة فإن إسرائيل ستحتفظ بـ 200كم من الضفة الغربية، أي laquo;3 من المساحةraquo; والتي تضم الكتل الاستيطانية وأراضي في غور الأردن والصحراء جنوب الضفة. وفي المقابل يحصل الفلسطينيون على أراضٍ على طول الخط الأخضر، مع أو بدون سكانها من فلسطينيي 48.
وعلقت صحيفة laquo;معاريفraquo; العبرية على الدراسة بأن على إسرائيل أن تحتفظ بـ 12% من هضبة الجولان، تضم معظم المستوطنات وخط الهوات المسيطرة على بحيرة طبريا وسهل الحولة من جبل الشيخ، أما سوريا فستحصل في المقابل على أراضٍ من لبنان الذي يحصل من إسرائيل كتعويض على 50 كيلومترًا مربعاً من الأراضي الإسرائيلية الشمالية على الحدود الجنوبية للبنان.
ومقابل نقل أراضٍ إسرائيلية إلى مصر في منطقة فران ومنطقة تسمح بالعبور الحر بين مصر والأردن، ينقل المصريون للفلسطينيين منطقة في محور laquo;رفح ـ العريشraquo;، كتواصل لقطاع غزة شمالاً، كما تنقل إسرائيل أرضا صغيرة في وادي عربة إلى الأردن لتكون معبرا له إلى مصر، ثم ينقل الأردن أرضا إلى سوريا، قرب حدودهما المشتركة، مشيرةً إلى أن واضعي الخطة يريان أن المبدأ الذي يوجه الاقتراح هو أن كل دولة تحتفظ بمجموع المساحة التي في أيديها الآن، في ظل خلق خطوط فصل أكثر راحة.
ومن المنتظر أن تحظى هذه الوثيقة باهتمام خاص، كونها ستعرض خلال أهم مؤتمر يعقد في إسرائيل وهو مؤتمر laquo;هرتسليا ـ متعدد المجالاتraquo; الذي يعد أحد أشهر المؤتمرات السنوية الإسرائيلية، الذي يبحث في ميزان المناعة والأمن القومي لدولة إسرائيل، ويمكن القول انه ذو ميول يمينية.
إذ يتوج هذا المؤتمر مبادئ التيارات اليمينية المتطرفة في إسرائيل كثقافة، بعد أن كانت موضوعات اليمين الإسرائيلي تعبر عن موقف حزبي، ويعمل المؤتمر إلى تحويل هذه المبادئ إلى نتائج لمؤتمرات وأبحاث أكاديمية، حيث يعقد بهدف رسم السياسات الاستراتيجية الإسرائيلية سياسياً وأمنياً.
وتتركز قيمة هذه المناقشات السنوية في أن ما يجري الاتفاق عليه من نقاشات يشكل خلفية لما تمارسه إسرائيل من سياسات، وتتوافر تمويلات هذا المؤتمر أساسا من قبل رجال الاقتصاد خاصة كبار أصحاب شركات التكنولوجيا العالية، ومن وزارة الدفاع، ومجلس الأمن القومي، والوكالة اليهودية، ومن جهات أخرى.
وفي العادة يدعى سنويا إلى المؤتمر رئيس الحكومة الإسرائيلية والعديد من الوزراء، أبرزهم وزير الأمن ووزير الخارجية، ورؤساء الأحزاب الأساسية، ورئيس هيئة الأركان، والعديد من الباحثين الاستراتيجيين الذين يقدمون أبحاثا مهمة في المجالات المختلفة.
ومن جهة أخرى نجد أن هناك من يعمل على laquo;سايكس بيكوraquo; أيضا بنسخة جديدة ومنقحة، وكما يقول خبير العلاقات الدولية الدكتور سعيد اللاوندي في كتابه laquo;أميركا ـ أوروبا: سايكس بيكو جديد في الشرق الأوسطraquo;، فإن أوروبا ليست بريئة تماماً من كل ما يحاك للمنطقة العربية من سيناريوهات مستقبلية.
بل كما يرى الدكتور سعيد اللاوندي فإن الشرق الأوسط غنيمة يجري الاتفاق على تقسيمها بين جانبي الأطلسي، والولايات المتحدة وأوروبا متفقتان على أن دول المنطقة العربية وبعض الدول الشرق أوسطية تجسد اليوم صورة تركيا القديمة، أي صورة الرجل المريض، وبالتالي فإن تقسيم تركته يجتذب الطامعين فيها، والقادرين على السيطرة عليها.
ولا خلاف بين أوروبا والولايات المتحدة على ذلك إلا في بعض التفاصيل، فالولايات المتحدة لا ترى مناصاً من استخدام القوة الغليظة أو الخشنة، وهو ما يتلاءم معها باعتبارها أكبر قوة في عالم اليوم، أما أوروبا فهي تفضّل استخدام القوة الناعمة ولكن المستهدف واحد، وهو المنطقة العربية أرضاً وسماءً.
وإذا كانت هذه الجهود الحثيثة تأتي لخدمة أريحية إسرائيل، فإن العرب كما يبدو لا يزالون محتفظين بإيمانهم بالاتفاقية المشؤومة التي اقتطعت منهم أراضي في غاية الأهمية جغرافيا وأمنيا، والتي لولاها لما سهل على الدول الرأسمالية نهب الخيرات العربية وسيطرتها على المنطقة ودولها، لكن التاريخ يثبت أن إسرائيل يمكنها أن تحول الاستراتيجيات إلى خطط تنفيذية مستقبلية بخاصة وأن الدعم الدولي موجود.
وإذا عدنا بالذاكرة إلى مؤتمر هرتسيليا عام 2002، حين عرض شارون خطته السياسية والتي كانت ترتكز على ما أسماه باستبدال القيادة الفلسطينية laquo;كشرط أولي واجب التحقق قبل الانتقال إلى المرحلة التالية التي يمكن بعدها التفاوض مع القيادة الفلسطينية الجديدة لإقامة دولة مؤقتةraquo;، سنفاجأ بمدى التقارب بين هذه الرؤى والواقع الذي أصبح حقيقة.
ولعل الأسئلة التي تطل برأسها في ضوء هذه البحوث والنتائج المترتبة كلها، تشير نحو العرب وموقفهم من هذه الوثيقة وكيفية التعامل معها بما يخدم مصالح الدول العربية أولا وأخيرا، في ظل التناقضات الداخلية والخارجية وفي جو مشحون بتغييرات شرق أوسطية عميقة.
فهل يعاد تشريح الاتفاقية من جديد في الوقت الذي تنتظر فيه إعادة تشريح جثة laquo;سايكسraquo; للاشتباه في موته بفيروس انفلونزا الطيور، فلربما وجد العالم الحل لدى سايكس من جديد!
- آخر تحديث :
التعليقات