مسلمو الهند.. وثمن اعتداءات مومباي

نيودلهي - براكريتي غوبتا

دخلت إحدى الطالبات المسلمات، التي ترتدي غطاء الشعر، إلى الفصل داخل إحدى المدارس المعروفة في نيودلهي، متأخرة عن موعد بداية الدرس. فخاطبتها المعلمة بقولها: laquo;أنت أيتها الباكستانية!raquo;. أجابت الفتاة البالغة من العمر 17 عاماً، والدهشة تعلو وجهها: laquo;معذرة، سيدتي، إنني لست باكستانيةraquo;. قالت الفتاة، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، إنها توجهت إلى الناظرة لتشكو لها، فردت الناظرة بأنها ستتحدث الى المعلمة.
هذه الحادثة التي جرت في العاصمة الهندية نيودلهي، ليست الوحيدة من نوعها، وتعتبر من النتائج المباشرة للاعتداءات التي وقعت في مومباي مؤخرا ونفذها مسلمون. ورغم أن الهجمات التي نسبت laquo;للأصوليين الإسلاميينraquo;، شهدت تنامياً مستمراً داخل الهند، وأسفرت على مدار الأعوام الثلاثة الماضية عن مقتل قرابة 700 شخص، لم يكن أي منها على درجة من القوة كافية لجذب أنظار العالم بأسره، حتى وقعت هجمات مومباي. وعلى امتداد السنوات، التي شهدت تنامي تورط المسلمين في أعمال الإرهاب داخل الهند، واجه المسلمون الهنود انتقادات حادة من أبناء الطوائف الدينية الأخرى بالبلاد. والآن، يجري فرض الشعور بالذنب على المسلمين مجدداً. هذه المرة لأنه يُنظر إليهم باعتبارهم متعاطفين مع منفذي هجمات مومباي. والواضح أن الهجمات تخلق موجة غضب جديدة قوية ضد المسلمين، الذين يخشى الكثيرون منهم من أن تعزز هجمات 26 نوفمبر (تشرين الثاني) مشاعر التحامل التي تتعرض لها طائفتهم بالفعل. وتتزايد اليوم التقارير الواردة من مختلف المدن الهندية حول تفاقم حوادث توجيه الإهانات والتعبير عن الغضب والتحامل بشكل علني ضد المسلمين. ومن هذه التقارير، ما حدث مع فاطمة، وهي تلميذة في مدرسة في نيودلهي. تروي فاطمة أن إحدى صديقاتها جاءت اليها حاملة رسالة من أبيها، وقالت: laquo;طلب مني والدي قطع علاقتي بك، لأنه يقول إن المسلمين يحملون عبوات ناسفة وفي يوم ما سيقتلونكraquo;. وتتمثل حادثة أخرى وقعت بعد هجمات مومباي، ما حصل مع إحدى مضيفات الطيران داخل طائرة تابعة لشركة مومباي ـ أورانجباد للخطوط الجوية. فأثناء سير المضيفة بين المقاعد، لمح أحد الركاب اسمها على الشارة التي تحملها، وسألها: هل أنت مسلمة؟. وأضاف: لماذا تفعلون ذلك في البلاد؟، في إشارة واضحة لهجمات مومباي. ولم يكن الرجل تحت تأثير أي خمور. وقالت المضيفة إنها شعرت بالصدمة، لكنها لم تجب الراكب. إلا أن زميلتها الهندوسية تدخلت وطلبت من الرجل الاعتذار لها. وتشير تقارير أيضا إلى أن الموسيقي المعروف ذا الأصول الباكستانية، عدنان سامي، الذي يعيش في الهند منذ عشر سنوات، يتلقى اتصالات هاتفية تحمل تهديدات وتطالبه بمغادرته البلاد على الفور، منذ وقوع الهجمات الإرهابية في مومباي. وجاءت صيغة الأوامر الصادرة إليه واضحة: laquo;غادر مومباي فوراً وإلا قتلناكraquo;. علاوة على ذلك، ينظم عدد من الموسيقيين الهنود حملة مستمرة للمطالبة بإبعاده عن البلاد. وقد وصل الامر الى درجة طلب فيها عدنان من السلطات حمايته، لكنه قرر في نهاية الأمر حماية نفسه بنفسه. والآن، يتنقل محاطاً بثمانية أفراد حراسة، منهم أربعة مسلحون، يتبعون وكالة أمن خاصة. بصورة عامة، يشعر المسلم الهندي بالاضطراب والقلق والغضب كلما وقع اعتداء ارهابي نفذه ارهابيون مسلمون، ذلك أنه بمجرد وقوع تفجير أو أعمال شغب طائفية، يواجه المطالب بالانحياز لصف بعينه. وبمجرد أن تشرع باكستان المجاورة في الاستعداد لمهاجمة الهند أو مهاجمتها بالفعل، يواجه المسلم الهندي المطالب بتحديد الجانب الذي يناصره. لكن ما السبب وراء غضب مسلمي الهند؟ على رأس الأسباب، معاناتهم من الفقر. لكن ربما يتحمل المسلمون اللوم عن هذا الأمر بقدر ما يتحمله الآخرون. علاوة على ذلك، ساعدت المؤسسة السياسية laquo;العلمانيةraquo; التي تتميز بها الهند، التوجهات الأصولية الإسلامية، التي لم تكتف بعدم بذل جهود لبناء قيادات مسلمة تقدمية، وإنما عمدت إلى الحيلولة دون ظهورها. والآن، تكاد تخلو البلاد من أي قيادة سياسية مسلمة موثوق بها. والملاحظ أن هناك تداخلا كبيرا بين القيادات المسلمة الهندية والقيادات الدينية، بحيث نجد أن الكثير من السياسيين من المسلمين الهنود أعضاء في المؤسسة الدينية في الوقت ذاته. ونادراً ما تسمح هذه القيادات للمسلمين بالخروج من عقلية الأقلية التي تسيطر عليهم. وبدلاً من ذلك، اعتمد المجتمع المسلم الهندي على قيادات مسلمة تكمن مصالحها السياسية في الإبقاء على التفكير الرجعي بين صفوف المسلمين. وعند النظر إلى الهند نجد أنها تكاد تكون منقسمة إلى بلدين: هند هندوسية، وهند مسلمة. سعت الأولى نحو الانضمام إلى ركب الحداثة العالمي، بينما تشبثت الثانية بحقبة زمنية ماضية، ورفضت المشاركة في الحداثة، وفضل الكثير من أبنائها ارتياد المدارس الدينية التقليدية على الجامعات الحديثة. كما تفتقر laquo;الهند المسلمةraquo; إلى قيادات تجارية ناجحة يمكنها المساعدة في بناء ثروات مسلمة. ويشعر مسلمو الهند بسخط عميق نابع من شعور بالظلم رافقهم منذ أمد بعيد جراء ما يعتقد المسلمون الهنود أنه تمييز ذو طابع مؤسسي ضد أكبر أقلية داخل البلاد. وبالفعل، نجد أن هناك تباينات هائلة بين المسلمين، الذين يشكلون 13.4 بالمائة من السكان، والهندوس الهنود الذين تبلغ نسبتهم حوالي 80 في المائة من السكان. وما زاد الأمر سوءا أن المجتمع المسلم الهندي لم يستفد من النمو الاقتصادي السريع الذي حققته البلاد. ومؤخراً، أكد تقرير صادر عن laquo;لجنة راجندر ساتشارraquo;، هذه الحقيقة، حيث أكد أن المسلمين يجابهون أوضاعاً اقتصادية أسوأ من غالبية الطوائف الهندية الأخرى. وأوضحت اللجنة في تقريرها أن معدل معرفة القراءة والكتابة بين المسلمين عام 2001 بلغ 59.1 بالمائة، ما يقل بكثير عن المعدل الوطني البالغ 65.1 بالمائة. وينطبق القول ذاته على نسبة المسلمين من خريجي الجامعات المنتمين لأسر فقيرة، الذين يستكملون دراستهم لمراحل أعلى، حيث تبلغ نسبتهم 16 بالمائة، مقارنة بمعدل وطني يصل إلى 28 بالمائة. والمثير للصدمة، أن المكان الوحيد الذي يفوق تمثيل المسلمين في نسبتهم بين السكان هو السجون، فعلى سبيل المثال، في ولاية ماهاراشترا، يمثل المسلمون 17.5 بالمائة من المسجونين، ما يتجاوز بكثير نسبتهم بين سكان الولاية، التي تبلغ 10.6 بالمائة. وفي ولاية جوجارات، بلغ معدل عدد المسجونين المسلمين بالنسبة لإجمالي المسجونين 9 إلى 25. ورغم وجود استثناءات، فإن المسلمين الهنود بصورة عامة يعيشون لفترات أقل، ويتسمون بحالة صحية ومعدلات معرفة القراءة والكتابة أدنى، كما يعمل معظمهم بوظائف أقل أجراً. وما زاد الطين بلة، وقوع أعمال شغب استهدفت المسلمين. على سبيل المثال، عانت مومباي مراراً من اندلاع أعمال شغب دموية بين الهندوس والمسلمين. ووقعت أعمال شغب بشعة بين الجانبين عامي 1992 و1993، أسفرت عن مقتل مئات المسلمين والهندوس. وجراء تلك الأحداث، طرأ تحول على الطابع الديموغرافي لمدينة مومباي، مع فرار مئات الآلاف من المسلمين من الأحياء التي تقطنها غالبية هندوسية داخل المدينة إلى المناطق التي يغلب على سكانها المسلمون، والعكس صحيح. ومنذ ذلك الحين، اندلع العديد من الصدامات العنيفة بين الجانبين. ولم تمح ذكرى هذه الاضطرابات من ذاكرة أي من الجانبين. والآن، يخشى الكثيرون من تكرار تلك الأحداث. والجدير بالذكر أن لجنة التحقيق في أعمال الشغب، التي وقعت عام 1993 أدانت زعيم حزب سياسي يميني laquo;شيفا سيناraquo;، يدعى بال ثاكيراي، بتأجيج مشاعر العداء الطائفي وتحريض أعضاء حزبه على أعمال العنف. ويرى المراقبون أن هجمات مومباي الإرهابية من المحتمل أن تمد الحزب بمبرر مثالي للعودة إلى سبيل العنف. ومع ذلك، فإنه في أعقاب وقوع الهجمات، حرص أبناء مومباي من مختلف الطوائف، على تقديم العون لبعضهم البعض. ومع أن مشاعر الغضب والخوف كانت بادية للعيان، لم تظهر على السطح أعمال عنف طائفية. بيد أن هذا الوضع قد يتغير حال خروج أعضاء حزب laquo;شيفا سيناraquo; إلى الشوارع. ولا شك أن هذا تحديداً هو رد الفعل الذي تأمل الجماعات الجهادية الهندية في حدوثه، نظراً لأن أعمال الشغب الماضية التي شهدتها البلاد نتج عنها تعزيز مشاعر الانعزال لدى المسلمين عن باقي الهند. وقد شهدت جوجارات أيضا أعمال شغب مناهضة للمسلمين عام 2002 بتحريض من قوميين هندوس، أدت إلى مقتل حوالي 200 شخص، معظمهم من المسلمين. وتمخض ذلك عن تأجج الشعور بالظلم والعزلة في أوساط المسلمين. وفي أعقاب تلك الأحداث بفترة قصيرة، انضم المئات من المسلمين الغاضبين إلى جماعات مسلحة ومتطرفة. على سبيل المثال، أعلنت جماعة laquo;المجاهدين الهنودraquo; الإرهابية المؤلفة من عناصر محلية، والمسؤولة عن الكثير من الأعمال الإرهابية، من خلال رسائل بعثت بها عبر البريد الإلكتروني إلى وسائل الإعلام، أن التفجيرات التي نفذتها بمدن مثل مومباي ودلهي، جاءت انتقاماً لمقتل مسلمين في جوجارات. من ناحيتها، نجحت laquo;حركة الطلاب الإسلامية في الهندraquo;، التي خرجت من رحم laquo;الجماعة الإسلامية الهنديةraquo; في السبعينيات، في استغلال شعور الكثير من المسلمين بالافتقار إلى الأمان. وعملت الحركة على تأجيج مخاوف المسلمين من أن يجري التعامل معهم باعتبارهم laquo;آخرينraquo;، وتمكنت من إضفاء الطابع الراديكالي على قطاع من الشباب المسلم المتعلم. وعلى مدار العامين المنصرمين، باتت أعمال الإرهاب على يد عناصر محلية، التي من المعتقد أن مسلمي الهند الشاعرين بالتعرض للظلم يدعمونها وينفذونها، مصدر قلق متنام. لكن أسباب غضب الهندي المسلم لا تقتصر على الفقر، وإنما أيضاً على الشعور بممارسة السلطة القضائية تمييزاً ضدهم. ويقول جافيد أناند، الأمين العام لجمعية laquo;مسلمين من أجل الديمقراطية العلمانيةraquo;، إن laquo;معدل أحكام الإدانة في تفجيرات مومباي عام 1993 تجاوز 80 بالمائة، بينما تمت إدانة عدد ضئيل من المتورطين في أحداث الشغب في جوجاراتraquo;. إلا أن هذه هي المرة الأولى التي يندد فيها المسلمون علانية بمثل هذه القوة بأعمال الإرهاب داخل الهند. ومن الواضح أنه بعد هجمات مومباي الإرهابية الأخيرة، بات المسلمون عاقدي العزم على إبعاد أنفسهم عن العناصر الراديكالية القائمة بينهم. وقد شدد المسلمون على إدانتهم للهجمات، من خلال سبل متنوعة تنوعت بين المسيرات الداعية للسلام وتقليص مظاهر الاحتفال بالعيد. ويبدو أن مسلمي الهند يفعلون كل ما في وسعهم لإبعاد أنفسهم عن تلك الهجمات التي تم شنها باسم الإسلام. وغلب على عيد الضحى هذا العام تنظيم مسيرات صامتة تنديدا بالهجمات. وارتدى الكثير من المسلمين شارات سوداء على أيديهم تعبيراً عن رفضهم للهجمات، بينما بعث آخرون عددا هائلا من رسائل البريد الالكتروني والهاتف الجوال، أكدوا خلالها على القيم السلمية التي يتمتع بها الإسلام. وقلصت الكثير من الأسر المسلمة احتفالاتها بعيد الضحى، من خلال التخلي عن ارتداء ملابس جديدة، بما في ذلك بعض الشخصيات المسلمة البارزة. وربما تكون هذه هي المرة الأولى التي ينضم فيها رجال دين من منظمات مثل laquo;جمعية العلماءraquo; إلى العناصر المسلمة الليبرالية في التعبير عن غضبهم إزاء الجماعات الإرهابية التي شوهت صورة الإسلام. ويقول الإعلامي البارز جافيد جفري، إن على المسلمين التنديد علانية بالإرهاب، لأن الإسلام هو الذي يتضرر في نهاية الأمر، لأنهم يقتلون الناس تحت اسم الجهاد. ويضيف laquo;إن دينا يطلب من أتباعه تحية بعضهم البعض بعبارة السلام عليكم، لا يمكن أن يجيز قتل الأبرياءraquo;. وبغض النظر عن الميول والنزعات، ما إذا كانت محافظة أو ليبرالية، ارتدى الكثير من المسلمين، بمن فيهم نجوم بوليوود، شارات سوداء على أيديهم للتعبير عن رفضهم لهجمات مومباي. وطلبت المنظمات الدينية من مختلف التوجهات والأطياف، مثل laquo;دار العلوم ديوباندraquo;، من أتباعها الدعاء للضحايا وأقاربهم. والواضح أن معركة الهند في مواجهة الإرهاب ستكون بالغة الصعوبة والتعقيد ومتعددة الأوجه، ما بين الإرهاب العالمي والمتطرفين المسلمين المحليين والإرهاب الموجه من قبل باكستان والتيارات الهندوسية الراديكالية. ولن تنجح جهود محاربة الإرهاب بدون مساعدة المسلمين. ويتعين على الحكومة الهندية، من جانبها، تناول القضايا التي تثير غضب المسلمين والتعامل مع العناصر الراديكالية من الهندوس. وفي إطار سعيها للتصدي للإرهاب العالمي على أراضيها، على نيودلهي النظر باستمرار نحو الداخل، وليس الخارج. في الواقع، إن أحد الأسباب وراء عدم تكرار هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 داخل الولايات المتحدة عدم وجود قاعدة دعم محلية. ويتطلب القضاء على الدعم المحلي أن تعمل الحكومة الهندية على كسب ثقة المسلمين والضرب على أيدي الراديكاليين الهندوس بحزم. وحال تحقق ذلك، سيصبح من الممكن وضع خطة لتحصين الهنود ضد إغراءات الإرهاب العالمي. وقد بدأ رجال الدين المسلمين في السير على هذا الطريق بالفعل، بإصدار منظمة laquo;دار العلومraquo; البارزة، فتوى تحظر قتل الأبرياء. كما رفض مسلمو مومباي دفن المهاجمين في مقابر المسلمين.