جهاد الخازن

كتبت ثلاثة مقالات عن كنعان مكيّة وفؤاد عجمي وأحمد الجلبي، ودور كل منهم في الحرب على العراق، وفضّلت الأول على الآخرَيْن لأنه اعترف بالخطأ بعد المصيبة التي حلت بالعراق وشعبه، في حين لا يزال الآخران يدافعان عن الجريمة التي شاركا في ارتكابها.

قراء كثيرون احتجوا على ما كتبت، فقد فهموا انه اذا اعتذر عجمي والجلبي كان ذلك كافياً. والواقع انني لا أملك أن أصفح أو أعاقب، وإنما قلت ان الاعتراف بالخطأ أول خطوة على طريق إصلاحه، وبالتأكيد فهو لن يعيد الى الحياة مئات ألوف الضحايا الأبرياء.

الغالبية العظمى من القراء كانت معي أو زايدت علي، وقرأت كلمات وعبارات جارحة أو قاسية جداً لا مكان لها هنا، وبما انني لا أستطيع أن أنشر ما تلقيت، ولو باختصار، فإنني اختار رسالة تؤيد وأخرى تعارض، مع العلم ان المعارضة لم تتجاوز خمس رسائل.

الدكتور فاروق الراوي تحدث عن دخول الجلبي العراق مع القوات الغازية وسرقة محتويات المصارف والمؤسسات الحكومية، وطرد 35 ألف موظف كبير وأساتذة جامعات وغيرهم وفرق الموت والطائفية، وهو اعتبر الجلبي مسؤولاً عن الحرب بقدر مجرمي الحرب من ادارة بوش. واستدرك الدكتور الراوي في رسالة ثانية، فاعترض على أن يكون هناك أي وجه شبه بين الجلبي والدكتور خالد القصاب الذي laquo;كان إنساناً وطنياً عراقياً لا أحد يشكك في إخلاصه، تتلمذ على يديه خيرة أطباء العراق، ورسم لوحات فنية جميلة وترك محبين له في كل مدينة عراقيةraquo;.

في المقابل القارئ أمين صادق يورد جرائم نظام صدام، وكلها معروف، ليخلص الى القول انه لو بقي صدام حسين وابناه في الحكم خمس سنوات أخرى لفاق عدد الضحايا عددهم في الحرب الأميركية على العراق.

أقول ليست لي قضية مع أحد من هؤلاء الناس، ولا معرفة شخصية تؤثر في رأيي، وإنما هي متابعة مهنية، وقد حاولت ان أنصف كل واحد منهم، فتحدثت عن أكاديمية فؤاد عجمي، وقد قابلت في دافوس واحداً من طلابه وهو أكد لي انه على عكس مواقفه السياسية، فقد كان يعامل طلابه بصبر وعناية ويساعدهم. أما أحمد الجلبي فأشرت الى أسرته العريقة، والى ذكائه قبل أن أنتقل الى الجريمة التي ارتكبت بحق العراق وأهله.

دور الجلبي محسوم، وهناك وثائق أميركية غير متنازع عليها، وشهادات رجال الاستخبارات الذين تعاملوا معه، وهي من نوع انه محتال، أو laquo;لعيب ثلاث ورقاتraquo; كما نقول نحن، و laquo;تاجر سيارات مستعملةraquo; كما يقولون بالانكليزية.

وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) احتضنت الجلبي بعد حرب تحرير الكويت سنة 1991، وأنفقت الملايين على المؤتمر الوطني العراقي، وساعدت الجلبي على بناء مقر له في كردستان العراق. وفي سنة 1995 نظم الجلبي ثورة على نظام صدام حسين قمعها ديكتاتور بغداد بوحشية. وقال روبرت باير، ممثل (سي آي إيه) الذي عمل مع الجلبي، انه laquo;لم يقدم ملازماً واحداً، ناهيك عن كولونيل أو جنرالraquo;. وحاول الدكتور اياد علاوي في السنة التالية تدبير انقلاب على صدام حسين وكشفت هذه المؤامرة وقتل مئات الضباط والمتآمرين. وقرأت أن بعض عملاء الوكالة يعتقدون ان الجلبي سرّب خبر محاولة الانقلاب الى أجهزة صدام حتى لا ينجح علاوي حيث أخفق هو. إلا أنني لا أجزم بصحة هذه المعلومات، فقد تكون تبريراً لفشل (سي آي إيه) نفسها في إطاحة صدام حسين.

وعندما بدأت الوكالة تشكك في عمل الجلبي وفائدته أرسلت اليه جون ماغواير، وهو خبير في العمليات شبه العسكرية، ووجد هذا ان الجلبي يقيم في بيت فخم، مع بيت آخر في لندن، وعندما ذهب الى مكاتب جريدة المؤتمر الوطني العراقي وجد موظفين اثنين ولا جريدة، وذهب الى مقر راديو المؤتمر، ووجد برجاً ومكاتب ولا بث. وبلغ من غضب ماغواير انه قال للجلبي انه اذا رآه سائراً على رصيف وكان يقود سيارة فسيصدمه بها.

(سي آي إيه) قطعت علاقتها بأحمد الجلبي سنة 1996 فانتقل الى مراكز البحث اليمينية، مثل معهد أميركان انتربرايز، وتحالف مع بعض أشهر المحافظين الجدد من أعداء العرب والمسلمين. وفي سنة 1998 أصدر الكونغرس قانون تحرير العراق، وخصص 97 مليون دولار لهذا الجهد، وكان عمل المؤتمر الوطني العراقي تقديم معلومات نعرف الآن انها كانت زائفة تماماً عن علاقة صدام حسين بالقاعدة وامتلاكه أسلحة دمار شامل.

وثمة نقطة مهمة جداً، فأحمد الجلبي لم يخدع عصابة الحرب الاميركية، وإنما قدم لها ما تريد من معلومات كاذبة لتبرير حرب على العراق دمرته على رأس أهله وتركت وراءها مليون ضحية حتى الآن.

وإذا كان بين القراء من يريد معلومات أكثر تفصيلاً فسيجدها في الكتاب laquo;الكبرياءraquo; عن حرب العراق من تأليف مايكل ايزيكوف وديفيد كورن.