خيري منصور
كتاب ldquo;مأساة بوشrdquo; الذي ألفه جاكوب وبسبرغ، لن يكون الفصل الأخير في هذه الدراما البوشية رغم ان لها بعداً كوميدياً، فقد سبقته عائلة من الكتب التي شهدت على العقد الماضي من الحياة السياسية في أمريكا، وقد تعقبه حتى نهاية المرحلة البوشية كتب أخرى، تتراوح بين وداع شامت ونقد بأثر رجعي.
ما يرويه مؤلف ldquo;مأساة بوشrdquo; عن قرار الرئيس المبكر ومنذ العام 2002 باحتلال العراق انتقاماً لوالده، الذي اتهم النظام العراقي بتدبير مؤامرة للقضاء عليه اضافة الى زوجته باربرا وزوجة ابنه وشقيقيه نيل ومارفن.
هكذا أصبح الثأر عائلياً، وكان بإمكان الرئيس، الذي يزهو بالانتساب الى حضارة العقل والعلم والديمقراطية، أن يصرخ في هيوستن عام 2002 وهو يجمع التبرعات.. يا لثارات تغلب، فأمريكا تحولت إلى قبيلة بفضل هذا التطرف اليميني، وما يسميه بوش الابن العقيدة، التي كان والده يفتقدها.
لكن هل يمكن لحروب من هذا الطراز أن تكون مجرد تصفية حسابات عائلية وشخصية؟ وهل استجابت امبراطورية مترامية الأرداف، وليس الأطراف فقط، لرغبة الرئيس؟
ان نسج الحكايات ذات الحبكة البوليسية في السياسة أمر متكرر في التاريخ، وفي عصرنا أصبح الرواة وصانعو السيناريوهات المتخيلة من اللاعبين على الرأي العام.
نذكر مثلاً أن الفرنسي لوران تحول إلى سينارست ماهر في نسج الحكايات، فقد كان الثالث في تلك الجلسة شبه السرية بين صدام حسين والسفيرة جلاسبي، أو هذا على الأقل ما يوحي به لقرائه.
وإذا كان احتلال العراق وقتل مليون من أبنائه وتشريد سبعة ملايين من أهله وعودة آلاف التوابيت إلى أمريكا هي ثمن تلك المحاولة، التي يزعم بوش الابن بأن النظام العراقي أعدها في الكويت لصيد عائلته، فإن أمريكا ليست أمريكا، والبنتاجون هي مجرد ديوان أو خيمة تتأرجح على ثلاث أثافي.
وعلينا أن نصدق أحياناً ما لا يتقبله الوعي لأننا نعيش في زمن وظفت فيه التكنولوجيا لخدمة الخرافة، واندلعت فيه الحروب الكونية لمصلحة شريحة لا تفرق بين النبيذ والدّم إذا تطلبت مصالحها ذلك.
ما يقوله مؤلف مأساة بوش عن الحرب ضد العراق ينقض دعاوى الرئيس وإداراته حول أحداث الحادي عشر من أيلول، والربط القسري بين النظام العراقي والقاعدة.
ان التناقضات إذا أضيفت إلى زلات اللسان في العقد الماضي يكون التاريخ كله قد تحول إلى حكاية، ومن حق من يكتبه أن يتغزل بسيقان الأفعى وأجنحة السلاحف.
فالاستخفاف بالوعي بلغ ذروته، وسخرت ميديا حاذقة ومدججة بالتكنولوجيا للبرهنة على أن الأرض ليست كروية وأنها لا تدور.
ما كتب عن الرئيس بوش داخل الولايات المتحدة قد يغضب بعض العرب المتأمركين أكثر من أمريكا أمثال فؤاد عجمي، فهؤلاء تحولوا الى محامين للشيطان، وتطوعوا في حرب هي في نهاية المطاف ضد أبناء جلدتهم، إن كانت لهم جلدة، وضد مستقبل أحفادهم، ان كانوا قادرين على الإنجاب.
والوقائع التي يسردها مؤلف كتاب ldquo;مأساة بوشrdquo; ليست نسج الخيال، رغم أن الربط بينها وشحنها بعنصر الإثارة هما من صميم مهنة السينارست، ما دام العنوان الذي اختاره لكتابه هو المأساة.
لقد أخذ الابن على الأب غياب العقيدة، لكن الابن أضاع فرصة كبرى بمعونة الأوركسترا التي عزفت بمعزل عنه، ولم تكن تنظر باتجاه العصا التي يلوح بها.
وهذا ما قاله بشكل أو بآخر بريجينسكي عن الزمرة التي احترفت إضاعة الفرص وأساءت الى أمريكا لعقود قادمة.













التعليقات