احمد عمرابي
عن طريق الأسلوب التفاوضي فقط لن تسمح إسرائيل بقيام دولة فلسطينية كاملة السيادة والاستقلال. لكن لكي تقنع العالم بأنها دولة حضارية مسالمة فإنها تتظاهر بمواصلة العملية التفاوضية مع الطرف الفلسطيني بينما هي عاقدة العزم مسبقا على الانتقال بالعملية من سراب إلى سراب بلا نهاية حتى لا تثمر نتيجة نهائية.
والسؤال الحتمي الذي ينبغي أن يطرح هو: ألا تعرف قيادة السلطة الفلسطينية هذا السيناريو السرابي؟ والإجابة هي: بلى. إذن ينبثق سؤال تالٍ: لماذا تسمح القيادة الفلسطينية للإسرائيليين بممارسة لعبة الزيف التفاوضي على حساب المصير الفلسطيني الأعظم؟
نقول هذا بمناسبة التدشين الإسرائيلي هذا الأسبوع لفصل جديد من المماطلة المنهجية، على لسان نائب رئيس الوزراء حاييم رامون أعلنت الحكومة الإسرائيلية أن الهدف من المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين هو التوصل لاتفاق بخصوص laquo;مبادئraquo; إقامة دولة فلسطينية.. وليس معاهدة سلام لإقامة الدولة الفلسطينية.
في يناير المنصرم حدد الرئيس بوش خلال زيارته لإسرائيل والضفة الغربية أن الهدف من التفاوض الإسرائيلي ـ الفلسطيني هو التوصل لمعاهدة سلام تقضي بقيام دولة فلسطينية قبل انتهاء ولايته مع نهاية عام 2008 الحالي، وبينما طرح الرئيس الأميركي هذا الوعد laquo;كأملraquo; وليس كتعهد قاطع فإننا نفهم الآن انه أراد بذلك تهيئة فرصة لاحقة لإسرائيل لكي تتملص على نحو أو آخر.
وفقا للبيان الإسرائيلي الذي تلاه نائب رئيس الوزراء قبل يومين فان التفاوض حول معاهدة سلام تمهد لقيام دولة فلسطينية لن يبدأ قبل التوصل لاتفاق على laquo;إعلان مبادئraquo; قد يستغرق التفاوض عليه ما تبقى من عام 2008، وحتى لو أبرم هذا الاتفاق فان هذا لن يكون نهاية المطاف.
فالاتفاق ـ وفقا للبيان الإسرائيلي ـ ينبغي أن يطرح على الشعب الإسرائيلي للموافقة عليه أو رفضه.. وذلك في عام 2009، وإذا كان هذا السيناريو الإسرائيلي عجيبا في مرحلته النظرية الحالية فانه قد يكون أعجب في مرحلة التطبيق،
فمن المؤكد أن الجانب الإسرائيلي سوف يتعمد طرح اقتراحات لتكون عناصر لإعلان المبادئ يعلم سلفا أنها تعجيزية، من بين هذه العناصر مثلا ألا تكون هناك عودة لحدود عام 1967.. وألا عودة للاجئين وأن القدس لن تكون قابلة للتقسيم.. وأنه من منظور الأمن الإسرائيلي ينبغي ألا يكون للدولة الفلسطينية جيش وطني.
بالطبع فان طرح مثل هذه العناصر سيؤدي إلى إثارة مجادلات تفاوضية تمتد على مدى زمني طويل، وهذا بالضبط هو ما تريده إسرائيل، وربما يمتد الأمر لسنين، وحتى لو افترضنا احتمال التوصل بعد ذلك إلى اتفاق لإعلان المبادئ فانه سيكون قابلا للرفض إذا عرض على استفتاء شعبي في إسرائيل.
وفي كل الأحوال فان لدى إسرائيل الورقة الأخيرة التي ستلوح بها لقيادة السلطة الفلسطينية إذا دعت الضرورة القصوى، ورقة قطاع غزة ومصيره. سيقول الإسرائيليون لقيادة السلطة الفلسطينية: كيف تطلبون دولة للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة وأنتم لا تمثلون أهل غزة؟
ونعود إلى التساؤل المطروح: إذا كان المفترض بالمنطق البسيط أن قيادة السلطة الفلسطينية تدرك زيف العملية التفاوضية فلماذا تعين إسرائيل على مواصلة ممارسة هذا التزييف.. ولماذا لا تقطع التفاوض لفضح الزيف الإسرائيلي؟ انه سؤال المسؤولية الوطنية التاريخية وتخطئ قيادة السلطة الفلسطينية إذا ظنت أن شعبها ـ في عصر ثورة المعلومات والاتصالات ـ لا يعرف الإجابة الصحيحة.
- آخر تحديث :
التعليقات