عبد المنعم سعيد

يقال في الولايات المتحدة هذه الأيام إن باتريك أوباما أصبح محتملا ليس فقط أن يكون المرشح الديمقراطي للرئاسةrlm;,rlm; وإنما الرئيس المقبل لأمريكاrlm;.rlm; وللقول أسباب كثيرةrlm;,rlm; لكن واحدا منها صار ذائعا وهو أنه يمتلك الآن قوة اندفاع كبيرة ولدها تدريجيا خلال حملته الانتخابية حينما يؤدي النجاح إلي النجاحrlm;,rlm; وبعد أن كان منافسا لطيفا لا بأس في وجوده ضمن قائمة طويلة من النجومrlm;,rlm; فإنه صار مرشحا عنيدا تخطي في عدد المندوبين الجميع حتي هيلاري كلينتون في آخر الانتخابات التمهيدية خلال الأسبوع الماضيrlm;.rlm; وهكذا فإن شيئا ما من الطاقة والقدرة يتجمع في زخم كبير يحمل النجم السياسي إلي هدفه في البيت الأبيض يقال عنه بالإنجليزيةrlm;TheGreatMomemtumrlm; أو الاندفاع العظيمrlm;,rlm; أو باختصارrlm;TheBigMo.rlm;
شيء من هذا ربما جري للفريق القومي المصري لكرة القدم عندما ذهب إلي كوماسي ناقصا بعضا من أهم نجومهrlm;,rlm; بركات وميدو وحسام غاليrlm;,rlm; وبأداء ونتائج لم تكن مبشرة كثيرا خلال فترة التحضير والتجهيزrlm;.rlm; وبشكل من الأشكال كانت الصحافة المتابعة تقول لنا إن اللاعبين لديهم ما يشغلهم بعيدا عن الملعبrlm;,rlm; فكان منهم من هو علي خلاف كبير مع ناديه إلي حد الإيقافrlm;,rlm; بل كان هناك واحد مهم منهم بلا ناد علي الإطلاقrlm;,rlm; سواء في تركيا أو في مصرrlm;,rlm; كما كان هناك عدد غير قليل يتراوح ولاؤه بين الأندية التي يقيم فيها والتي يريد الذهاب إليهاrlm;,rlm; وواحد منهم علي الأقل كانت له قضية لدي الاتحاد الدولي حتي يقرر إذا كان سيكون لاعبا في النادي الإسماعيلي أو نادي ستراسبورج أو حتي النادي الأهليrlm;.rlm;

وكان الفريق المصري يعاني أمرا آخرrlm;,rlm; وهو أن كل الفرق الأخري كانت مرشحة للفوز بالكأس إلا هوrlm;,rlm; ربما لأنه ليس بسهولة يفوز فريق مرتين متتاليتينrlm;,rlm; وربما لكل الأسباب السابقةrlm;,rlm; لكن في كل الأحوال فإن مثل هذه الترشيحات لم تكن بالتأكيد تسبب سعادة أو تفاؤلا لأحدrlm;,rlm; ولكن كان هناك قدر غير قليل من الخوف والتوجس والدعاء ليس ردا لقضاء الله وإنما اللطف فيهrlm;!rlm;
ولكن الفريق المصري فعلها وفاز بالكأس الإفريقية للمرة الثانية علي التواليrlm;,rlm; وللمرة السادسة علي غير التواليrlm;,rlm; وفوقها حصل علي أفضل لاعبrlm;,rlm; وأحسن حارس مرميrlm;,rlm; وحجز سبعة من لاعبيه مكانا في منتخب إفريقيا منهم خمسة في الفريق الأولrlm;,rlm; وكان مصدر سعادة مصرية لا تحد أن يصير دروجبا نجم تشيلسي الشهير احتياطيا للاعب عمرو زكيrlm;!rlm; وبالتأكيد فإن الفوز المصري كانت له أسباب عديدة تحدث عنها بالتفصيل المتخصصون كثيرا خلال الأيام الماضية من فطنة المدرب العظيمrlm;,rlm; وحسن الإعدادrlm;,rlm; وذكاء الخططrlm;,rlm; واللياقة البدنية والفنيةrlm;.rlm; ولكن كان هناك سبب لا يقل عن كل ذلك أهميةrlm;,rlm; وهو أن مباراة الكاميرون الأولي شكلت مفتاح الفوز بكأس البطولةrlm;,rlm; أنه في هذه المباراة تراكمت قوة الاندفاع العظيمة ليس فقط في اللاعبين المصريينrlm;,rlm; بل شكلت أيضا الخشية في اللاعبين من الفرق الأخريrlm;,rlm; وببساطة كانت الـrlm;BigMorlm; قد حملت الفريق المصري لكي يركب ـ حسب لغة اللاعبين ـ ليس فقط مباراة بعينهاrlm;,rlm; ولكن المسابقة كلهاrlm;.rlm;
قوة الاندفاع العظيمة إذن تتكون من فوز أو سلسلة من الانتصاراتrlm;,rlm; وهي أشبه بتلك الدفعة من البنزين التي تأتي من ضغطة زائدة لكي تكتسب العربة سرعتهاrlm;,rlm; أو تخترق سرعات جديدةrlm;.rlm; هي لحظة يتكون فيها إحساس أن العربة لن تتوقفrlm;,rlm; وأنها سوف تسير في طريقها نحو الهدفrlm;,rlm; وكل ذلك بثقة في مكوناتها وأجزائهاrlm;,rlm; وأنها لن تخذلك ساعة امتحان آخرrlm;,rlm; وبالتأكيد كانت قوة الاندفاع هذه هي التي امتلكت اللاعبين المصريين ثم تسربت منهم إلي الجمهور المصري كله الذي بدا غير مصدق لكل ما رآه بعد أربعة أهداف في مرمي الكاميرونrlm;,rlm; ومن الجمهور المصري امتدت بمعجزة إلي الجمهور العربي الذي خرج بعد الحصول علي الكأس من موريتانيا إلي الكويت وبالإضافة إلي عواصم أوروبية أخري يحتفل بانتصار كان غير متوقعrlm;,rlm; فما إن حدث كان الاكتشاف الأعظم أنه من طبيعة الأشياءrlm;!rlm;

وهنا نصل إلي المحطة الرئيسية في الموضوع كلهrlm;,rlm; فالسؤال المطروح علي الحكم والحكومة في مصر هو هل يشكل معدل النمو الذي أصبحrlm;8%rlm; حسب آخر التصريحاتrlm;,rlm; والاحتياطي النقدي الذي تعديrlm;30rlm; مليارا حسب آخر البياناتrlm;,rlm; والاستثمارات الأجنبية التي تعدتrlm;11rlm; مليار دولارrlm;,rlm; والسائحون الذين تعدي عددهمrlm;11rlm; مليونا حسب آخر المعلومات عن العام الماضيrlm;,rlm; فهل يشكل كل ذلك الـrlm;BigMorlm; التي نبحث عنها؟ وإذا كان ذلك كذلك فهل تأخذنا مثل هذه الموجات العظيمة إلي شاطئ الأمان؟ وإذا سألنا السؤال بالصيغة الكروية فهل يمكن أن يستمر الفوز التنموي في مصر من مباراة إلي أخريrlm;,rlm; أو من مسابقة إلي أخري؟ أم أن المسألة كلها لا علاقة لها بالاندفاعrlm;,rlm; وأن ما نحسبه طاقة عظيمة تدفع القاطرة إلي آفاق لم تبلغها من قبل لا يزيد علي كونه لهب شمعة جائز لها أن تخبو وتنطفئrlm;!rlm;
يجب أن نعترف أن ذلك هو الاختبار المصري الأعظمrlm;,rlm; وخلال الأيام القليلة الماضية كانت هناك تساؤلات كثيرة حول الأداء المصري ظهر في شكل نوعين من التساؤلاتrlm;:rlm; الأول جاء في إذاعة فضائيةrlm;,rlm; وبقدر غير قليل من القرفrlm;,rlm; وصياغته كيف يمكن للمصريين الاحتفال بهذه الطريقة ولديهم كل هذا القدر من الإحباط؟ فبعد سنوات وأشهر وأيام من نشر الشعور بالتعاسة الوطنيةrlm;,rlm; والحديث عن الكوارث والفقراءrlm;,rlm; وانتظار الثورة والغضب والاحتجاجrlm;,rlm; جاءت النتيجة فيضانا مصريا لا يخل من أناقة وألوانrlm;.rlm;

والثاني جاء في أكثره من كتابات صحفية أكثر تأملا وحكمة وصياغته هيrlm;:rlm; إذا كان بالمستطاع الفوز بهذه الطريقة فلماذا لا يكون هذا هو الحال في كل المجالات؟ وببساطة هل ما جري في غانا هو الاستثناء أم هو القاعدة؟ وهل ما جري في مصر ولاء حقيقي للوطن وقضاياه أم أن المسألة في النهاية راجعة للساحرة المستديرة القادرة علي الغواية وسلب الألباب؟rlm;!rlm;
الأسئلة بالتأكيد مشروعة علي الناحيتينrlm;,rlm; وهي دافعة في كل الأحوال إلي التواضع في الحياة العامةrlm;,rlm; سواء علي جانب الحكومة التي لم تنجح حتي الآن في أن تقنع الناس أن ما تحقق كان هو قوة الاندفاع العظيمة التي حققها الفوز علي الكاميرونrlm;,rlm; أو علي جانب المعارضة لأن المواطنين كان لديهم ما يكفي من الأسبابrlm;,rlm; والموارد ما يكفي للاحتفال وليس للثورةrlm;,rlm; وفي الواقع أنه من الناحية الشكلية كانت ملايين الجماهير المصرية قد استولت علي الدولة بالفعل علي مدي الساعات التالية لهدف أبو تريكة في مرمي الكاميرونrlm;,rlm; وتسلم الفريق للكأس علي بعد آلاف الأميالrlm;,rlm; وطوال ساعات الليل وفي ساعات الصباح الأولي حتي وصول اللاعبين إلي المطار لم يكن هناك في مصرrlm;,rlm; بالإضافة إلي عين الأمن الساهرةrlm;,rlm; إلا الولاء يحمي البلاد والعبادrlm;,rlm; والفخر بما في هذا البلد وقدرته علي الفوز والنصر وتخطي الصعابrlm;.rlm;

وهكذا فإن الثورة حدثت بالفعلrlm;,rlm; لكن في اتجاه آخر يختلف تماما عمن توقعوهاrlm;,rlm; ولمن شاهد هذه المظاهرات عندما فازت مصر بكأس إفريقيا عامrlm;1986,rlm; ثم وصولها إلي كأس العالم عامrlm;1990,rlm; ثم كأس إفريقيا مرة أخري في سنتيrlm;1998rlm; وrlm;2006rlm; سوف يجد تقدما مطردا في حالة الناسrlm;,rlm; وملابسهمrlm;,rlm; وأغانيهمrlm;,rlm; والأعلام التي يحملونهاrlm;,rlm; والبهجة التي يعبرون بها عن مشاعرهمrlm;.rlm;
وببساطة فإن مصر أخري قد ولدت خلال العقود الماضية بالمعني الحرفي للكلمةrlm;,rlm; حيث ولد غالبية المصريين الآن بعد عامrlm;1980,rlm; ومعها ولدت طبقة وسطي جديدة قادمة من سوق المنافسة الاقتصادية والاجتماعية علي المستويين المصري والعالميrlm;.rlm; إنها مصر الجديدة التي عرفت الفضائيات والتليفون المحمول واشتبكت مع الدنيا ومع بعضها البعض عبر شبكات الإنترنتrlm;.rlm;

ومن الجائز جدا أن هذه الطبقة الوسطي الجديدة هي المسبب الأعظم لحالة الإحباط الموجودة في الطبقة الوسطي المصرية القديمةrlm;,rlm; أو طبقة الموظفين أصحاب الدخول الثابتة الذين يصارعون التضخم بأجور ضئيلةrlm;,rlm; وينظرون بخوف ووجل إلي المنافسة مع الشركات الجديدة المصرية والعالميةrlm;.rlm; وسوف أغامر بالقول إن الأغلبية الساحقة في الإعلام المصري والعربي جاءت من أولاد هذه الطبقة المحبطةrlm;,rlm; معبرين عنها حتي ولو كانوا هم أنفسهم قد استفادوا إلي حدود خرافية من ظروف السوق الإعلاميةrlm;.rlm;

وهنا تحديدا توجد المعضلة المصريةrlm;,rlm; أو إذا استعرنا تعبيرات ماركسية يوجد الديالكتيك المصري الحالي حيث يبدو الجديد عاجزا عن تحقيق قوة الاندفاع الكبريrlm;TheBigMo,rlm; بينما القديم متشبث بالأظافرrlm;,rlm; ليس فقط بالسيطرة علي الواقعrlm;,rlm; وإنما حتي بإشاعة المزاج الذي يعبر عن مكانته الاجتماعية الذابلةrlm;.rlm;

حل هذه المعضلة أو التناقض ممكن فقط بزيادة قوة الاندفاعrlm;,rlm; وإذا كان الفوز في غانا قد جعل الوصول إلي كأس العالم من البديهيات المنتظرةrlm;,rlm; فإن الوصول إليrlm;11rlm; مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية يجعل الوصول إليrlm;20rlm; ملياراrlm;,rlm; أي نفس الحجم الذي حققته تركيا في العام الماضيrlm;,rlm; من الأمور المنطقيةrlm;.rlm; وفي تجارب العالم الأخري فإن الاقتصاد هو المقدمةrlm;,rlm; لكن السياسة هي التي تفسح الطريقrlm;,rlm; وفي العصر الحالي فإن الإعلام بأشكاله المختلفة يكون جزءا من الحلrlm;,rlm; لكنه كما هو الحال في بلادنا يكون أحيانا جزءا من المشكلةrlm;,rlm; وكل ذلك يحتاج تفصيلا وتفسيراrlm;!!rlm;