تركي الدخيل
قبل نحو ستة عشر عاماً، قال لي زميل مهنة في ردهات إحدى الصحف التي كنّا نعمل بها إن هناك مدرستين صحفيتين، الأولى: (القارئ عاوز كدا). والثانية: (يضرب القارئ رأسه بالحيط). وأكشف لكم أني حاولت أن أعبر عن المدرسة الثانية بكمية من الأدب لم يكن صاحبي استخدمها في تعبيره عن هذه المدرسة، ولو استخدمتها لما رأيتم هذا المقال، وربما لم تروني هنا ثانية!
رغم سطحية التعبير في هذين التعبيرين عن مدرسة تتفانى في تلبية رغبات القارئ، وأخرى لا تعبأ به، إلا أن هذه البساطة معبرة جداً، إلى درجة تطابق الحقيقة، وتلامس الواقع.
وأحسبُ أن المبالغة حد النصية، في تطبيق أي مدرسة من المدرستين هي تفريغ للصحافة من قيمتها الحقيقية.
فالصحافة التي لا تعبأ بالمتلقي، صحافة باردة، لا يقرؤها إلا كُتّابُها، إن قرأوها، ولا يراها إلا من يطبعها، لا ليتعاطى مع المكتوب، بل ليتأكد أنه لا يطبع شيئاً آخر!
في المقابل، فإن متابعة القارئ إلى أقصى حد في تلبية رغباته، متعذرة أصلاً بالضرورة، فالقارئ ليس قارئاً واحداً، بل مجموعة كبيرة من الأمزجة والآراء والرغبات، وهذه الأمزجة والآراء والرغبات، ليست متعددة فقط، بل هي متناقضة ومتضادة في معظم الأحوال.
أقول ذلك لأشير إلى بعض القراء الكرام الذين يريدون كل الكتاب بلون واحد، وأسلوب واحد، ومنهج واحد، ولو فعلنا، لما أعجبناهم، فاللون الواحد مملٌ، ولو كان جميلاً، والطعام ولو كان مذاقه شهياً، إذا كان صنفاً واحداً، فإنك ستكتشف مع الوقت أن quot;الصيام مهوب شين أبداًquot;.
- آخر تحديث :
التعليقات