جرجيس كوليزادة
خلال فترة مناقشة مجلس النواب في بغداد على موازنة العراق وقانوني المحافظات والعفو العام، ظهرت مواقف متشددة تجاه حق حصة الإقليم من الميزانية العامة بنسبة 17%، وهي النسبة المتفق عليها سابقا في موازنة السنوات الثلاث الماضية، وظهرت هذه المواقف بشكل معارضة حقيقية بحق الإقليم ولم تكن متوقعة من قبل المراقبين والمحللين، ولو مددنا النظر الى أبعد من ذلك، لوجدنا أن مسألة الاعتراض على عقود النفط الموقعة بين حكومة الإقليم والشركات النفطية، يمكن تفسيره أنه امتداد سابق لمسالة الاعتراض على حصة الإقليم، كذلك فان نفس هذا الامتداد يسحبنا الى مسألة عدم الاتفاق على ميزانية البيشمركة من قبل الحكومة العراقية الاتحادية المعلقة مع حكومة كردستان، ويدفعنا الى تفسيرها في نفس المسار، وهو ظهور بوادر اعتراضات ومعارضات على حقوق الإقليم من قبل الحكومة ومن قبل جهات وكتل وأحزاب تلعب دورها في العملية السياسية العراقية، وهذه الجهات على ما يبدو أنها تلعب دورا سلبيا تجاه العلاقة الدستورية المحسومة بين بغداد وأربيل.
وبطيعة الحال فان هذه التحركات الجديدة المضادة لإقليم كردستان، والمعاكسة لاتجاه إرساء علاقات طبيعية متينة ومتواصلة بين حكومة الإقليم والحكومة المركزية، لا يمكن إبعادها عن الأجندة الأميركية بشأن الملف العراقي، لأن حكومة الولايات المتحدة تعتبر اللاعب الرئيسي في الملعب العراقي بحكم تخويلها من قبل مجلس الأمن كقوة احتلال وكقيادة للقوات المتعددة الجنسيات، ونقول الرئيسي لوجود لاعبين آخرين على الساحة مرتبطة بالدول المجاورة للعراق منها إيران وسوريا والسعودية وتركيا.
والملاحظ، أن الولايات المتحدة، المعروف عنها بأنها حليف للقيادتين العراقية والكردستانية، لم تتخذ خطوات ملموسة خلال الفترة الماضية باتجاه تضييق مساحة الخلافات بين بغداد وأربيل، ولم تعمل على تخفيف الاعتراضات المسجلة من قبل بعض الكتل السياسية العراقية على الإقليم، و لو لا الدعم المقدم من قبل المجلس الأعلى الإسلامي والتوافق للتحالف الكردستاني، لما حصلت حصة إقليم كردستان من الموازنة بنسبة 17% على الموافقة في مجلس النواب.
استنادا الى هذه المواقف، فان مسالة عدم تشريع قانون للنفط في البرلماني العراقي بالرغم من مرور فترة طويلة على تقديم مسودة لها الى المجلس، أيضا يمكن اعتبارها ضمن نفس المسار الذي اشرنا إليه، لأن تأخيرها المتعمد تشكل عائق كبير أمام إقليم كردستان وأمام المحافظات للتصرف بحقها في الموارد الطبيعية ضمن سياق ما هو وارد في الدستور الدائم، لتأمين الموارد المالية اللازمة لعملية الأعمار والتنمية، خاصة عندما نعلم أن الموازنة السنوية للدولة لا تقدر على توفير كل الأموال اللازمة لهذه العملية الحيوية لإعادة البنية التحتية الكاملة وإرساء مقومات النهوض الاقتصادي والحاجات الأساسية للمجموعات السكانية في الإقليم والمحافظات.
إضافة الى هذا، فان ما تسجل على الحكومة الأمريكية تجاه الإقليم، من مواقف غير طبيعية بحق مسائل في غاية الأهمية، تدفع بنا الى وضع علامات استفهام كبيرة عليها، منها السكوت على الاندفاع العسكري التركي على الحدود العراقية في إقليم كردستان والسماح بالطائرات الحربية التركية بقصف المناطق الكردية، وكذلك منها السكوت على عدم تطبيق وتنفيذ المادة الدستورية 140 المتعلقة بمسألة الاستفتاء على كركوك خلال الفترة المحددة لها والسماح بدخول أجندة إقليمية في هذه المسألة العراقية، وتركها معلقا دون خارطة طريق للتنفيذ لحسمها على أرض الواقع وإرسائها كعامل قوة للاستقرار والسلام في العراق.
ومن خلال هذا السياق، فان عملية ضرب القاعدة في الموصل، أيضا يمكن تفسير تأخيرها المتعمد، كعلامة استفهام على الموقف الأمريكي من القضاء النهائي على الإرهاب وعلى القاعدة في العراق، خاصة وأن هذه المنطقة تقع في منطقة تماس مع إقليم كردستان، فلا يعقل أن يتم كل هذا الاستعداد من قبل القوات العراقية ثم يتم تأخير تنفيذ العمليات العسكرية لأسباب لا تفهم مقاصدها ولا أغراضها والمستفيد الوحيد منها هي القاعدة والحركات الارهابية من خلال توزيع أفردها في مناطق بعيدة عن الموصل وإعادة تنظيمها من جديد وتفويت فرصة توجيه الضربة القاضية النهائية إليها من قبل القوات العراقية التي حققت نجاحا باهرا في عملية فرض القانون في بغداد والمناطق المجاورة لها.
لهذا فان فإن الاتجاهات الجديدة التي بدأت تظهر من قبل الموقف الأمريكي، يجب أن تنظر لها بمنتهى الحذر وأن تقرأ بمنتهى الجدية على الصعيدين العراقي والكردستاني، لأنها لا يمكن اعتبارها بكل الأحوال بأنها غير متقصدة أو أنها بعيدة عن أجندة الحكومة الأمريكية ضمن سياق خططها الستراتيجية التي قد تجري عليها تغييرات وفق معطيات مصالحها الإقليمية والدولية في المنطقة، خاصة وأن المنطقة تعيش في دوامة قضايا كبيرة غير محسومة منها ملفات إيران وسوريا ولبنان والصراع الإسرائيلي الفلسطيني والصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني.
وكا جاء في دراسة منشورة في مجلة الشؤون الخارجية في في تموز 2007، فان quot; في انتخابات عام 2008 ، الحرب في العراق وإدارة السياسة الخارجية للولايات المتحدة على وشك أن تصبح قضايا حاسمة، ذلك المرشح إذا تم انتخابه أيضاً سيعزز أمن الولايات المتحدة من خلال براعته في استخدام الاستراتيجية الكبرى الجديدة التي تستمر سياسياً وذلك بثبات المجتمع العالمي الذي ينظر باستمرار إلى الولايات المتحدة من أجل القيادةquot;، وهذا يعني أن السياسة الأمريكية في العراق معرضة الى التغيير وإعادة نظر، وهذا التغيير لا يمكن ادراك ومعرفة مفرداته بسهولة نتيجة لتشابك مراكز صنع القرار السياسي والعسكري في واشنطن وارتباطه بمصالح الولايات المتحدة الدولية والإقليمية، لهذا على القيادة الكردستانية تدراك هذا الأمر والتهيوء له قبل حصوله والاستعداد له مع القيادات العراقية، لكي يكون التغيير الذي يحصل في السياسة الامريكية لصالح العراق وإقليم كردستان، ومن أجل بلورة هذا الاستعداد، نرى ضرورة التأكيد على مايلي:
bull; إقامة تحالف سياسي شامل بين جميع القوى السياسية العراقية والتاكيد على الالتزام بالدستور الدائم والفيدرالية، للحتفاظ على المكتسبات المنجزة، وترسيخ مبدأ حماية المصالح العليا للعراق.
bull; تفعيل التحالف السياسي للاحزاب الكردستانية على ساحة الإقليم، والمشاركة الفعالة لجميع القوى السياسية في إدارة حكومة الإقلي.
bull; الاستعداد الجدي من قبل القيادة الكردستانية للقياد بعملية اصلاح وتغيير فعالة ومكافحة الفساد، والعمل الفعال على إزالة الازمات والمشاكل المعيشية للموطنين، لاعادة وبناء علاقة فعالة بين الشعب والقيادة.
bull; التركيز على المقومات الوطنية العراقية في حماية مصالح الشعب الكردستاني والعراقيين جميعا.
من خلال التأكيد على هذه المسائل الستراتيجية، يمكن للقيادة الكردستانية أن تتهيأ بيقظة سياسية لاي تغيير قد تحصل في السياسة الامريكية تجاه العراق وتجاه الملفات الدولية والإقليمية في المنطقة، ولا شك ان ارتكاز القيادة السياسية للإقليم الى توحيد مركز القرار العراقي بجميع قواه السياسية، يشكل دعامة رئيسية وتشكل ركيزة أساسية لمجابهة حصول أية تغييرات متوقعة من قبل السياسة الامركية، لحماية المصالح العليا للعراقيين وبالتالي حماية المصالح العليا للإقليم ضمن السيادة العراقية.
- آخر تحديث :
التعليقات