جيفري كمب
بينما تتواصل المعركة بين السيناتور باراك أوباما والسيناتورة هيلاري كلينتون من أجل الظفر بحق تزعم quot;الحزب الديمقراطيquot; في مواجهة quot;الجمهوريينquot; في انتخابات الرئاسة في نوفمبر المقبل، يلاحَظ أن المواضيع التي تطغى على نقاشاتهما ومناظراتهما هي داخلية في المقام الأول ومرتبطة بمواضيع من قبيل البطالة والرعاية الصحية وارتفاع أسعار النفط في الأسواق الدولية. أما حرب العراق، فلم تعد تحتل مركز الصدارة على الأجندة السياسية الأميركية؛ إذ لم يكشف المرشحان حتى الآن سوى عن النزر اليسير بشأن الوضع على الميدان في العراق وموقفهما مما يجري هناك. والحال أن المراقبين الموضوعيين يدركون أن العراق ما زال يعد بلداً خطيراً للغاية، ويمكن لأزمة جديدة أن تضعه مرة أخرى على صدر الصفحات الأولى للصحف في أي وقت. وبالتالي، فإنه مهما يكن الشخص الذي سينجح في الحصول على تزكية quot;الحزب الديمقراطيquot; للترشح لانتخابات نوفمبر، فالأمر المؤكد هو أنه سيكون مطالَباً بتقديم تفاصيل أوفى وأكثر وضوحاً حول البرنامج الذي يعتزم تنفيذه في العراق إذا ما انتُخب رئيساً للولايات المتحدة.
الاعتقاد السائد حالياً في هذا الشأن، يتمثل في أن زيادة عديد القوات الأميركية في العراق، وتسليح المليشيات السنية (مجالس الصحوة) من أجل محاربة تنظيم quot;القاعدةquot;، ساهما معاً في استقرار الأوضاع في الأقاليم الغربية للعراق. كما يعتقد أيضاً أن تمديد وقف إطلاق النار وتجميد نشاط ميليشيا quot;جيش المهديquot;، وفقاً للقرار الذي أعلنه الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، ساهم أيضاً في جلب نوع من السلام والاستقرار إلى العاصمة بغداد. ومما لا شك فيه أن انخفاض معدل الإصابات في صفوف الجيش الأميركي، يفسر تراجع تغطية وسائل الإعلام الأميركية للعراق، غير أنه ما زال ثمة عدد من المشاكل الخطيرة التي لم تجد طريقها إلى الحل بعد، ويمكن أن تزعزع استقرار البلاد. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يتحول النزاع السياسي بين الأكراد والعرب حول مستقبل مدينة كركوك الغنية بالنفط، إلى بؤرة توتر خطيرة في حال لم يتم التوصل إلى حل للمشاكل المتعلقة بالإشراف على المدينة ومواردها النفطية. وإضافة إلى ذلك، يمكن للحملة العسكرية التي يشنها الجيش التركي هذه الأيام على متمردي quot;حزب العمال الكردستانيquot; في شمال العراق، أن تعرف تصعيداً وتتسبب في أزمة خطيرة بين تركيا والعراق، تَعلق الولايات المتحدة وسطها. أما في مدينة البصرة الواقعة جنوب البلاد، فقد دفعت قصص مروعة وفظيعة لانتهاكات حقوق الإنسان والقتل الممنهج للنساء العراقيات لخرقهن المفترض للقوانين الشيعية الصارمة، العديد من العراقيين إلى التساؤل بشأن ما حققته بالفعل أربع سنوات من الاحتلال البريطاني هناك. وتضاف إلى ذلك تقارير مثيرة للقلق ترجح احتمال أن يستعمل أفراد المليشيات السنية الذين تزودهم الولايات المتحدة بالمال والسلاح من أجل محاربة quot;القاعدةquot;، أن يستعملوا أسلحتهم الجديدة ضد المجموعات الشيعية في المستقبل ويقاوموا الجهود الرامية إلى إدماجهم ضمن قوات الأمن العراقية النظامية. والواقع أن هذه الأمور لن تحدث طالما أن الولايات المتحدة تتوفر على حضور قوي على الميدان، إلا أن إحدى عواقب انسحابها تكمن في تطاحن هذه المجموعات في ما بينها.
وفي مثل هذه الظروف، يذهب الكثير من المراقبين إلى أن من شأن أي خفض متسرع في عدد القوات الأميركية المرابطة في العراق، أن يعطي إشارة انطلاقة استئناف موجة عنف طائفي جديد عبر أرجاء البلاد. ومن هذا المنظور، فإن الدعوة إلى الاحتفاظ بالمستويات الحالية للقوات الأميركية، مع توقع استمرار بقاء أزيد من 130000 جندي أميركي في العراق بحلول التاريخ الذي سيغادر فيه جورج بوش البيت الأبيض، تعكس رؤية تحليلية وجادة ورصينة للتطورات الجارية هناك. فبناء على معدلات الإصابة الحالية في صفوف القوات الأميركية، من المرجح أن يصل عدد القتلى في صفوف الجيش الأميركي إلى سقف 4000 قتيل في غضون الأشهر القليلة المقبلة. ويضاف إلى هذه الآفاق القاتمة، التقديرات التي تشير إلى أن الكلفة المالية طويلة المدى للحربين اللتين تخوضهما الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان، بالنسبة لدافع الضرائب الأميركي، يمكن أن تفوق ثلاثة تريليونات دولار، وهو ما يجعلهما الأغلى من أي حرب أميركية باستثناء الحرب العالمية الثانية. ولهذه الأسباب مجتمعة، يصبح من الواضح لماذا لا يرغب أي من المرشحين الديمقراطيين (كلينتون وأوباما) في البقاء في العراق، غير أنهما لا يعرفان كيف يخرجان من بلاد الرافدين دون أن يتسبب الانسحاب في تفاقم الأوضاع وتدهورها هناك.
إن المأزق الذي يجد الديمقراطيون أنفسهم فيه اليوم يتمثل في أنهم إذا كانوا يستطيعون انتقاد إدارة بوش وتقريعها على نحو مشروع لأنها شنت الحرب، ثم أدارتها إدارة سيئة على مدى سنوات، فإن ذلك أصبح أمراً متجاوَزاً اليوم. ذلك أن ما يريد أن يعرفه الأميركيون اليوم هو: كيف ومتى ستنتهي الحرب؟ وما السبيل إلى تحقيق الانتصار؟ الأمر المؤكد أنه بمجرد ما نعرف المرشح الذي سيخوض السباق الرئاسي باسم الحزب الديمقراطي، فعلينا أن نتوقع سيلاً من الأسئلة من قبل الصحافة، ومن قبل الجمهوريين أيضاً، حول السياسة التي ينوي الديمقراطيون انتهاجها في العراق، وهو ما سيتطلب أجوبة حذرة للغاية. كما يرتقب أن يستعمل المرشح الجمهوري المفترض، والأرجح أنه السيناتور جون ماكين، ورقة الأمن القومي في انتخابات نوفمبر المقبل، ويهاجم الديمقراطيين، ويتهمهم بالضعف مشيراً إلى تصريحاتهم حول جداول زمنية لسحب القوات من العراق، والتي سيجادل بأنها وصفة كارثية محققة. ومن المرتقب أيضاً أن يحل محل خطاب باراك أوباما وتحليلات هيلاري كلينتون حول كلفة الرعاية الصحية، جدلٌ محتدم حول أكثر موضوع من مواضيع سياسة الولايات المتحدة الخارجية إثارة للجدل منذ حرب فيتنام. وفي هذا الصدد، يمكن القول إن الديمقراطيين لن يكونوا في استراحة!
التعليقات