مريم سالم

قبل أن نتهم بإثارة الفتن وإلهاب المشاعر من جديد، إلا أن مسلسل الإساءة إلى الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - يضطرك إلى التوقف لإعادة تفسير مواقف بعض المستفزين لمشاعر ملايين المسلمين، وكأن العالم الغربي قد اتفق منذ زمن على محاربة الإسلام وبأساليب حديثة تتوافق مع ميول العصر الذي يجد في الأعمال السينمائية ما يمكن أن يختصر عليه ما يكتب في الصحف أو الكتب.

فبعد الرسوم الدنماركية المسيئة للإسلام، يخوض المدعو laquo;خيرت فيلدرزraquo; وهو النائب اليميني في البرلمان الهولندي، ما يسمى laquo;كشف الإسلامraquo; من خلال فيلم يحمل الاسم ذاته، يُظهر القرآن الكريم، وهو كلام المولى عز وجل، بأنه كتاب مريع وفاشي ويشبه كتاب laquo;كفاحيraquo; الذي ألفه الزعيم النازي هتلر.

والفيلم الجديد عبارة عن مشاهد تسجيلية صغيرة، ويقول عنه laquo;فيلدرزraquo; نفسه إنه سيكشف كيف laquo;يحض القرآنraquo; على التعصب ضد النساء والمثليين، وكيف يستغله المتشددون للتحريض على العنف، وأن مدته لن تتجاوز 10 دقائق، وسيتم بثه عبر إحدى القنوات التلفزيونية أو الإنترنت.

أما في أميركا فيباع حالياً فيلم يحمل اسم laquo;الإسلام raquo; تدور أحداثه في 98 دقيقة، ويبدأ الفيلم الذي أنتجه اليمين المحافظ في الولايات المتحدة، بأصوات الأذان، ثم يستعرض آراء بعض القادة الغربيين الذين يعتبرون الإسلام دين سلام. ويتابع بعد ذلك في فلك تبديد ادعاء أن الإسلام ليس دين سلام كما قال هؤلاء القادة.

وإنما هو دين عنف بطبيعته. ويحاول الفيلم ربط الإرهاب بالإسلام، في إطار ما يسمى laquo;الحرب ضد الجهادraquo;، كما يضم مقابلات مع مجموعة من أشد المتطرفين الأميركيين والأوروبيين المناهضين للإسلام، الذين يقدمهم الفيلم على أنهم خبراء بارزون في الإسلام، ومن بينهم الأصولي المسيحي روبرت سبينسر، وسيرج تريكوفيتش الذي كان متحدثاً باسم صرب البوسنة أثناء حربهم مع المسلمين في التسعينات، والكاتبة اليهودية التي ولدت في مصر، بات ياور، والتي تكتب أحيانا باسم يهودية مصرية.

ورغم العواقب الوشيكة على التفجر جرّاء مثل هذه المواقف المتطرفة، إلا أن استمرار وتنطح هؤلاء مستمر، فلم تنجح هولندا حتى الآن بشكل كافٍ في توضيح موقفها، رغم تحذير رئيس الوزراء بالكيننده من أن عرض فيلم فيلدرز يمكن أن يتسبب في أعمال عنف ضد الهولنديين، وقد ينجم عنه سقوط قتلى وقد بدأت المؤشرات الجدية الأولى في هذا الاتجاه بالظهور، كما يؤكد بالكيننده نفسه.

وذكر في هذا الصدد تهديدات حركة طالبان بمهاجمة الجنود الهولنديين في أفغانستان، ورفض بعض المضيفات العمل في رحلات جوية محددة، كما اضطر وزير التعاون التنموي كوندرس إلى إلغاء رحلته إلى الصومال بعد ورود تهديدات مباشرة.

فما كان من laquo;فيلدرزraquo; إلا أن يعبر من خلال موقعه على شبكة الانترنت بأن laquo;رئيس وزرائنا خائف بشدة من عواقب الفيلم، لدرجة يبدو معها أنه يستسلم للإسلام بدلاً من أن يدافع عن قيمنا وحقوقنا الديمقراطية. لأوضح شيئاً واحداً.. سيتم بث الفيلمraquo;.

والسؤال الذي يتبادر إلى أذهان بعض المحللين لهذه المواقف، هو كيف يمكن القيام بحملات مضادة توقف هذه المهازل التي تؤجج وتفجّر المواقف ويذهب ضحيتها بعض الأبرياء؟ وحتى لا يساء الفهم، لا بد من وقفة إسلامية عالمية تضع حداً للحرب المنظمة ضد الإسلام.

ومن أبناء الإسلام أنفسهم الذين يلزمهم فهم أعمق وأكثر عقلانية لكيفية الرد على هذه الإساءات، وبأسلوب لا يخرج عن اهتمام المواطن الغربي البسيط، وذلك عن طريق فهم الأدوات والقنوات التي يمكن أن تلعب دوراً في إيصال مفهوم الإسلام الحقيقي بعيداً عن التشنج والتطرف.

فإذا كان الإسلام اليوم هو التنين الذي يهابه الغرب في ظل تنام حقيقي لأعداد المسلمين في القارة الأوروبية، فإن المطلوب هو إيجاد حملات دائمة تعرّف بمبادئ الإسلام السمحة وتقديم النماذج المشرقة من المسلمين في الغرب وبخاصة العلماء منهم، فالمواجهة تتطلب تغييراً جذرياً للمسلمين أنفسهم الذين ينسى بعضهم عقيدته الدينية بمجرد الذوبان في المجتمعات الغربية.

مما فتح المجال لبعض المسيئين لاستغلال هذا الضعف، في التطاول على الرموز الإسلامية المقدسة، إلى جانب الحرب النفسية التي تهز كيان المسلم الجاهل الذي لا يعرف عن دينه بقدر ما يعرف الغربي نفسه، وفي هذا الاتجاه طالب البعض بضرورة إنشاء قنوات فضائية باللغة الانجليزية لتحسين صورة الإسلام، بعيداً عن التشويهات التي أضرت بالإسلام.

وبخاصة تلك المشاهد التي تقطع فيها رؤوس الأجانب وتبث الرعب في النفوس تجاه حقيقة هذا الإسلام، ولم تجد من يقوم بتفنيدها عبر وسائل إعلام إسلامية تتحدث بلغة الغرب وتردم هذه الهوة التي اتسعت لتسقط كل المفاهيم الإنسانية عن الإسلام من وجهة النظر الغربية.

وإذا كان البعض يرى أن هذه الإساءات هي جزء من التاريخ، بناء على ما أعلنته المكتبة الملكية الدنماركية عن اعتزامها حفظ وتوثيق الرسومات الكاريكاتيرية المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم التي نشرت قبل عامين.

واعتبرتها جزءا من تاريخ البلاد، فإن من باب أولى أن يسجل العالم الإسلامي موقفاً قوياً ومشرفاً يسجله التاريخ أيضاً، ويعبر عن فكر مضيء يلهم الضائعين من أبناء الإسلام التائهة أرواحهم في ملكوت أوروبا وأميركا بما تمثلانه من قوة تكنولوجية وعلمية.

ورغم أن الحقائق أثبتت أنه بعد كل إساءة إلى الرسول الكريم تتضاعف أعداد المسلمين بوضوح، وهذا ما ظهر جلياً بعد إساءة الدنمارك الأولى في عام 2005، حيث ارتفعت مبيعات المصاحف في فرنسا إلى 38 في المئة، لكن هذا لا ينفي أهمية وجود وسائل اتصال دائمة توصل ما انقطع من تواصل إنساني وحضاري بين العالمين المسلم والمسيحي.

إلى جانب وجود فريق من العلماء المسلمين يعملون تحت مظلة منظمة المؤتمر الإسلامي، من أجل مخاطبة الجهات الرسمية التي تمثل البلد المسيء كي يكون الحوار مباشراً ومفتوحاً، وأن يكون التحرك مبنياً على أساس من الرغبة في ردم الاختلافات.

وليس منطلقاً من تعصب أو عنصرية أو رغبة في زرع الفتن، كما يفعل بعض الخطباء في الغرب الذين يشنون حرباً معلنة من خلال المسجد ويثيرون كراهية الغرب، رغم أنهم لاجئون في هذه البلدان، مما أساء كثيراً لصورة المسلم الحقيقية. الإساءة تحدث الآن ويمكن الجزم أنها ستتكرر، ما دام هذا الضعف والهزال السياسي والاقتصادي لا يزال ينخر عظام المسلمين، فمتى تبدأ المبادرة؟