فيكتور ديفيس هانسون - لوس أنجلوس تايمز
لم يحقق الليبراليون الديمقراطيون من الشمال الأميركي نجاحات كبيرة في الانتخابات الرئاسية التي جرت خلال السنوات الماضية، وضمن هؤلاء يأتي والتر مونديل ومايك دوكاكيس وجون كيري. وفي المقابل نجد أن الديمقراطيين من الجنوب الأميركي كانوا أكثر نجاحا، مثل جيمي كارتر وليندون جونسون وبيل كلينتون.
و بالطبع يعلم باراك أوباما هذا الأمر. فلماذا إذا يعتقد على الرغم من علمه بهذا الأمر أنه يمكنه أن يكون أول رئيس ديمقراطي للبلاد منذ أن أطاح جون كينيدي بريتشارد نيكسون منذ 50 عاما؟
أولا لأنه لأول مرة فيما يقرب من 50 عاما لا يوجد نائب رئيس أو رئيس انتهت ولايته الأولى يخوضان انتخابات الرئاسة. أضف إلى ذلك خوض البلاد لحرب مثيرة للخلاف ووجود حالة اقتصادية غير مطمئنة الأمر الذي أوجد سباقا رئاسيا واسع النطاق يستقطب أعدادا ضخمة من الناخبين يحاولون إعادة التفكير في الأوضاع الحالية بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ أميركا.
ثانيا، بوصفه أول مرشح جاد من أصل إفريقي يخوض الانتخابات التمهيدية لأحد الحزبين الرئيسين في أميركا، فإن أوباما يقدم للأميركيين شعورا داخليا بالوفاء بالدين وشعورا بالفخار على مستوى العالم.
عندما صرحت زوجة أوباما أنها لم تشعر بالفخار تجاه أميركا حتى ترشح زوجها للبيت الأبيض، فإنها أوضحت نقطة يبدو أنها تمثل العقد الضمني للحملة: انتخبوا أوباما حتى تثبت أميركا أنها دولة ليست عنصرية وأنها استطاعت في النهاية علاج جروح مر عليها قرون من الزمان.
كما أن هناك كثيرا من الأميركيين ممن سئموا من أعمال العنف ومشاعر الكره الموجهة ضد أميركا من الخارج. ومن الواضح أنهم يأملون في أن يتسبب رئيس شاب مثل أوباما في إعادة الحب لأميركا ويضع نهاية للصورة المأخوذة عن أميركا باعتبارها قوة عظمى يتعالي حكامها البيض على العالم.
ثالثا وهو الأمر الأهم، فإن أوباما لا يزال يتحدث بشكل منمق عن التغيير والأمل. طريقة إلقائه ممتازة، وحتى الآن يتبين أن طريقته في الحديث وليس ما يقوله هو السبب في جذب الجماهير إليه. وبشكل فعلي، فإن أوباما بمنتهى الأمانة إذا دخل في تفاصيل ما يقوله، فإن قائمة الوعود الطويلة التي يتحدث عنها والتي تتضمن ضرائب جديدة وبرامج اجتماعية متنوعة-هذه الوعود قد لا تلقى الترحاب نفسه الذي يجده هو الآن عند الحديث أمام الشعب.
بالتأكيد هناك سبب يفسر قيام مجموعات مراقبة عديدة بمنح أوباما درجة الليبرالية كاملة بناءً على الأصوات التي حصل عليها في مجلس الشيوخ.
فهو يفضل إعادة التفاوض حول اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية ويهدد بزيادة بعض الحواجز التجارية على فرضية أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تنافس خارجيا وأن الدول الأخرى لن تسير على النهج نفسه ولن تلجأ إلى الانتقام.
تصوره للحرب على الإرهاب يقوم على قصة فقدان الحريات المدنية وانتهاك الدستور ولا يذكر شيئا عن أي شيء صائب قمنا به خلال السنوات الست الماضية بهدف منع تكرار هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
لقد وصف الزيادة في القوات العاملة في العراق بأنها خطوة فاشلة بدلا من أن يعترف بأن هذه الخطوة مهدت الطريق نحو تقليص عدد القوات هناك.
ويرى أن إيران تحولت إلى تهديد ليس فقط بسبب رغبتها في الحصول على القنبلة النووية وتدمير إسرائيل وإنما يرجع سبب موقفها الحقيقي إلى وجود القوت الأميركية في العراق وإلى فشل جهودنا الدبلوماسية في احتواء القيادة الإيرانية.
الرسالة العامة التي يحملها أوباما تبدو مختلفة بشدة عن تلك التي كان يحملها بيل كلينتون الذي كان قد قام بإصلاح دولة الرفاهية ونادى بتحرير التجارة ووضع حدا للإنفاق الحكومي وعدد الحقائب الوزارية، وكان يدعو إلى المشاركة بفعالية في تسوية القضايا العالمية وأكد على مكافحة الجريمة. وبشكل فعلي فإن الوضع في الداخل والخارج كان أشبه بالتغيرات التي كان يأمل فيها ماكجفرن.
المفارقة في هذا الصدد تتمثل في أن أوباما بالفعل يريد تقديم تغيير ليس فقط فيما يتعلق بقضايا الشباب والعرق واللباقة في الحديث، ولكن أيضا هناك تغيير في كوننا لم نر مثل تلك الفلسفة على الساحة الوطنية على امتداد جيل من الزمن.
المطلوب الآن من الذين يتعاملون مع أوباما التوقف عن تجميل صورته كي يتصرف على طبيعته تماما كما حدث مع رونالد ريغان حيث تم التوقف عن تجميل صورته أثناء الحملة الانتخابية وتركه يعرب بصراحة عن آرائه المحافظة الشديدة.
وينبغي لأوباما الآن المضي قدما في تنفيذ وعوده الخاصة بتقديم سياسة تقوم على الصراحة والشفافية ويستغل مهارات الإقناع وقدرته على التأثير في الآخرين واجتذابهم في تقديم صورة مفصلة بشكل أكبر عن معتقداته الليبرالية التي تدعو إلى فرض ضرائب إضافية على الأثرياء وإلى تقديم نطاق أكبر من الخدمات الحكومية لغالبية الشعب إلى جانب سياسة الحماية التجارية بوصفها على حد اعتقاده الحل الأكيد للمشكلات الأميركية.
فمن يعرف؟ قد يريد الأميركيون الغارقون في الديون اليوم الانتقال نحو نموذج أوروبي مركزي،غير أنه ينبغي على الأقل منح الفرصة للناخبين كي يتفهموا بشكل كامل في 2008 ما قد يحدث في 2009 وما بعدها.
التعليقات