تركي الدخيل

جلست أنا وصديق أمس نتسامر، فسحب الحديث بعضه، حتى وصلنا به إلى ساحة الحديث عن صديق مشترك. تحدثنا عن ميزاته المتعددة. صاحبنا فارس، في زمن لم تعد الفروسية فيه خصلة طبيعية في البشر، وبخاصة في الرجال منهم، مع أن الفروسية لا تقتصر على الذكور، بل هي سلوك إنساني يجب أن يضطلع به كل من يروم حسن الخصال، وجميل السجايا.
الفروسية تعني أن تهب لنجدة الملهوف، ولو لم تعرف هذا الملهوف، وأن تكون في الفزعة للآخرين، منتصباً كما عمود الخيمة التي لا يمكن لها وقوفاً لو وقرر أن يقلص من وقفته التي لا تعرف انخفاضاً.
الفروسية تعني عند صاحبنا محاولة مساعدة الآخرين، بما يستطيعه، فإن لم يساعد بنفسه، حاول أن يكون واسطة حسنة لدى الغير، فإن لم يستطع، لم يتوقف عن إبداء الدعم المعنوي، حتى لكأن بيت الشعر العربي القديم يصدق فيه:
تراه إذا ما جئته متهللاً
كأنك تعطيه الذي أنت سائله
صمت صاحبي عن أنشودة الثناء على صاحبنا الغائب، وكأنه يريد أن يقول: ولكن... فالتقطت هذه الـ(ولكن) من فمه، وسألته أن يقول ما بعدها، فقال: مشكلة صاحبنا أنه يبدي فرحه، ورضاه، لكنه يمتنع عن إبداء استيائه وغضبه، أو حتى تحفظه، وبخاصة مع أصدقائه!
قلت له: صدقت، والمشكلة أن الناس لا يستطيعون أن يحيطوا بما في النفوس، فكيف لنا أن نتعرف على لواعج نفس صديقنا الفارس إن هو عتب علينا، إما لنجلي ما شاب موقفنا، أو لنعتذر عما قد نكون اقترفناه من تقصير!
الحديث، بشفافية، وبخاصة مع الأصدقاء والخلان، هو إحدى وسائل التواصل، وجلاء النفوس إذا شابها شيء من شوائب العتب، والصراحة صابون القلوب، فلا تترددوا في أن تكونوا شفّافين مع أصدقائكم وأحبابكم إذا عتبتم عليهم، حتى لا تطول الجفوة، وتؤدي إلى الفرقة.