عبدالله علي العليان

منذ فترة كتب أحد الباحثين مقالة حول قضية المؤامرة التي يقول بها البعض. وقال ما خلاصته إن هذه الرؤية التي يطلقها البعض، ومقولة إن الغرب يتآمر علينا، مجرد أوهام في عقول بعضنا ليس إلا، ldquo;وإننا نعطي لأنفسنا حجماً أكبر بكثير من حجمنا الحقيقي، فنحن في نظر كثير منا مركز العالم، وليس لدى أمم الدنيا من شغل سوى التآمر علينا. ولا نريد أن نعترف بحجمنا الحقيقي وبدورنا المتواضع في الحضارة المعاصرةrdquo;. ونحن بدورنا سنسأل هذا الكاتب.. هل صحيح أن قضية التآمر مجرد وهمٍ اخترعناه وصدقناه، وبعد ذلك جرينا وراء هذا الوهم مثلما فعل أشعب -كما تقول الحكاية- عندما أخبر أهل قريته أن هناك وليمة في منطقة قريبة، وعندما جرت الجموع لحضور الوليمة تبعها أشعب لتوهمه بصدق هذه القرية المخترعة منه؟. أم أن هناك أصلا لهذه الحكاية وأن الحقبة الاستعمارية الماضية كانت أكبر من المؤامرة وربما تتجاوزها في تأثيرها ونتائجها المأساوية في تراجعنا الحضاري والتكنولوجي؟ وهل صحيح أن الغرب لا يهتم بنا ولا يلقي لنا بالاً بحجم المكانة الضعيفة والدور المتواضع في عصرنا الراهن وأن الأمم الأخرى لديها ما يشغلها عنا.. ناهيك عن أن تتآمر علينا؟. وكان بودي ألا يضع هذا الكاتب تلك الأحكام الجاهزة غير العادلة في علاقة ldquo;الأنا بالآخرrdquo; أو على الأصح بين الإسلام والغرب، ونحن نتفق -كما قال هذا الكاتب- أننا في مؤخرة الركب الحضاري والتكنولوجي والاقتصادي.. لكن أليس تصويرنا بأننا نشكل خطراً على الحضارة الغربية، وأننا نملك قدرات كبيرة وأن الصراع القادم سيكون بين الغرب والإسلام وأننا.. وأننا.. إلخ... مجرد مؤامرة لبقائنا في قائمة التخلف والتواضع والهامشية؟! (وهذا الرأي يدحض ما ذهب إليه كاتبنا الكريم في تصوير علاقتنا بالآخر.. وحتى يقتنع صاحبنا، أن هذا الكلام الذي نقوله ليس اجتهاداً خاصاً أو طرحاً عاطفياً عابراً، بل إن هناك آراء ودراسات وأطروحات تناقش هذا الرأي بقوة وبشكل علني وصريح، لذلك سوف نعرض آراء بعض مفكري الغرب ومنظريه فيما ذهبوا إليه وهو ما يخالف رأيه وطرحه تماماً.) أقوى هذه الآراء وأخطرها ما طرحه الدكتور صموئيل هنتغتون في بحثه الشهير ldquo;صدام الحضاراتrdquo; يقول هنتنغتون: ldquo;إن الصراع في المستقبل سيكون صراع حضارات، وإن الغرب ينبغي أن يستعد للنزال مع الحضارة الإسلامية، إذ هي حضارة معادية ومن الاستعداد للصدام الدموي: تجريد المسلمين من عناصر القوة والنهضة منذ الآن، حتى إذا وقع الصدام تكون قدرات العدو ضعيفة، وتكون تكاليف المواجهة من ثم قليلة خفيفة!!rdquo;.. ماذا نقول في هذا الرأي الذي طرحه واحد من أبرز الأكاديميين الغربيين ورئيس أكاديمية هارفارد للدراسات الدولية والإقليمية، وهل نحن نستطيع المواجهة مع الغرب الذي يملك العدة والعتاد والمكانة الدولية؟ أليست هذه فعلاً مؤامرة كاملة الأركان بنص العبارة ldquo;تجريد المسلمين من عناصر القوة والنهضة منذ الآنrdquo;. أيضاً المفكر الفرنسي روبير شارفان، العميد السابق لجماعة نيس الفرنسية قال في إحدى الندوات التي عقدت في المغرب مؤخراً حول ldquo;الإسلام والغربrdquo; إن هذه الرؤية (صدام الحضارات) تفترض حاجة الدول إلى خلق عدو وهمي أو فعلي يكون بمثابة ldquo;كبش فداءrdquo; تتحدد مهمته في تبرير المتاعب الداخلية لتلك الدول، والتمويه على تناقضاتها الفعلية، وهناك الكثير والكثير من الأطروحات والمؤلفات والبحوث والندوات، وكلها لا هم لها إلا ترديد الرأي الثابت و ldquo;الأسطوانةrdquo; المحفوظة عن ظهر قلب التي تقول إن الإسلام هو العدو الجديد القادم.. الصراع بين الإسلام والغرب قادم لا محالة.. المسلمون يريدون السيطرة على العالم الغربي.. الخطر الحقيقي الذي يهددنا تهديداً مباشراً عنيفاً هو الخطر الإسلامي. هذا الطرح الذي يردد بطريقة عجيبة من ldquo;علية القومrdquo; وصفوة المجتمع وأهل الفكر والرأي لا نعتقد أنه يطلق جزافاً وعشوائياً، بمعنى أنه على الرغم من ضآلة حجمنا وتواضعنا الحضاري وتشرذمنا وقلة حيلتنا، إلا أن هؤلاء ما زالوا يطرحون مسألة أننا ندٌّ للحضارة الغربية وأننا سوف نخوض معها صراعاً حضارياً وصداماً ثقافياً وأنه لابد من الاستعداد للمواجهة من الآن!! أي مواجهة.. وأي صراع.. نحن أمة صراعنا الأساسي مع التخلف والتراجع والتواضع العلمي والتقني، ونحن أيضاً في سباق محموم مع مشكلات التنمية وقضايا الديمقراطية.. فلماذا يريد الغرب أن يجرنا إلى المواجهة وإلى الصراع والمناطحة؟!.. الموضوع إذاً واضح لا لبس فيه ولا غموض، إنها خطة محكمة معدة هدفها إشغالنا في قضايا ثانوية وفرعية بدلاً من التركيز على قضايا التنمية واستئصال التخلف والمحاولة.. مجرد محاولة لعصرنة واقعنا الراهن، نجد الغرب يدفعنا دفعاً إلى الصراع. أما قول هذا الكاتب، متهكماً وساخراً إنه ldquo;ليس لدى أمم الدنيا شاغل يشغلها سوى التآمر عليناrdquo;، فهو قول مردود. ذلك أن الآراء التي سردت آنفاً تبرز جانباً مهماً من الانشغال الغريب بنا وبما نمثله من مخاطر! وهذا الانشغال قد لا يعكس الواقع الدقيق بحكم ما نحن فيه، إنما يعكس نظرة الآخر دائماً لهذه الأمة، بأنه ينبغي ألا تقوم لها قائمة، وأنه يجب أن تشغل عن هدفها الحقيقي وهو التنمية الذاتية ودحرجتها إلى مسار آخر يعيدها إلى نقطة الصفر. ثم تأتي بعد ذلك التبريرات من بعض مثقفينا وكتابنا بأن هذه الأمة تعيش هاجس التآمر الواهم من قبل الغرب، وتصطنع لنفسها مكانة سرابية مخترعة ليس إلا. مثلها مثل مقولات الغزو الثقافي والاختراق الفضائي وغيرها.!! والأغرب أن فرنسا الدولة الليبرالية حتى ldquo;النخاعrdquo; تتحدث على لسان فلاسفتها وكتّابها عن الغزو الأميركي.. والتآمر على ثقافتها، وأن عصر ldquo;العولمةrdquo; المقبل هو إذاً فرض على العالم سوف يقام بسببه ldquo;صراع ثقافاتrdquo; وأنه خطة أميركية للقضاء على الخصوصية الذاتية!! لكن فرنسا وتوجسها له مبررات معقولة(عند البعض). أما نحن عندما نصرخ فيجب أن يكون صراخنا على قدر حجمنا وقامتنا.. من نحن حتى نتهم غيرنا بالتآمر علينا؟.. ننظر حولنا.. ونتأمل ذاتنا قبل أن نوجه اللوم إلى الآخرين، هذه هي آراء بعض كتابنا ومفكرينا وهذا هو طرحهم ونقدهم لواقعنا، لذلك أود أن أسأل صاحبنا سؤالاً آخر.. لماذا يريد الغرب الحضاري.. العقلاني المتقدم ldquo;المشغول عناrdquo; بقضايا مهمة أن تستثنى إسرائيل المعتدية على حقوقنا العربية من معاهدة عدم الانتشار النووي؟! لماذا تستخدم الولايات المتحدة ldquo;الفيتوrdquo; دائما دعماً لإسرائيل لمجرد أنها لا تريد تطبيق اتفاقات معقودة مع العرب وبالأخص الفلسطينيين، وشن الحرب تحت ذريعة أسلحة الدمار الشامل مع الاعتراف موخرا بأنها كاذبة؟ نحن قد نتفق مع الكاتب نفسه، بأن التفسير السهل للمؤامرة والهروب من نقد الذات ومواجهة الأخطاء، وكشف الحقائق وإلقاء كل التبعات على غيرنا ظاهرة سلبية تستوجب النقد. لكن أن نبرئ الآخر تماماً من أي أسباب وتدخلات في أمورنا وفي وضع الدسائس والمتاعب في طريقنا هو أيضاً حكم غير عادل يكذبه الواقع.. فالآخر (الغرب) يعتقد أنه محارب، والكل يود تدميره، وإن الحضارة الغربية مستهدفة ومكروهة.. وهذه أيضاً أشبه بنظرية المؤامرة عندنا فلماذا نسكت في حالة الغرب ldquo;ونجلد ذاتناrdquo; في حالتنا نحن. على أي كاتب أن يأخذ بالرأي الذي يتفق مع قناعاته الخاصة، لكن من حق الآخرين أن يخالفوه هذا الرأي أو ذاك، ومع ذلك فإن نقدنا لذاتنا بعيداً عن الأطياف الخادعة والقراءات الانفعالية ضرورة مهمة في مسارنا الحضاري، شريطة أن يكون هذا النقد عادلا ومستوجبا للحوار الموضوعي والنظرة المنهجية السليمة، وبغير ذلك نكون كمن يضع حساباته على الرمال.